كتاب يضيء على مجتمعية المدن في الحضارة العربية الإسلامية

الكتاب يبيّن أن المدن الإسلامية حافظت لفترة على دورها المبجّل كقلاع لنشر الإيمان، الا انها بدأت مع مرور الوقت تأخذ طابعا أوروبيا غربيا بتأثير من السياسات الأوروبية والعلاقات الحضارية المتنوعة معها.
تأثير كبير للمدن العربية الإسلامية في الحضارة الأوروبية
الحكومات العربية تبذل جهودا متواصلة لتنمية المدينة

يتبيّن من مراجعة الكتابات والأدلة التاريخية والاجتماعية حول المدن الإسلامية في علاقتها بالحضارة العربية الإسلامية أن هذه المدن يَسّرت سُبل الإسهام في تدعيم المزيد من التقدم والازدهار للحضارة العربية الإسلامية، وأركانها المتعددة وأسهمت في تدعيم الدولة والمجتمع المدني بعد إحكامها السيطرة على طرق التجارة الصحراوية بعيدة المسافات. 
كما دعمت الحضارة العربية الإسلامية بعد تطورها ونشوء وازدهار العديد من المدن، فقد انتجت الحضارة العربية الإسلامية سلسلة من المدن الكبيرة الجديدة التي اتخذت منذ بداية إنشائها طابعاً عربيا إسلامياً مثل الكوفة (وهي أول مدينة عربية تُنشأ خارج الجزيرة العربية وذلك في العام 17 للهجرة)، والفسطاط (بدايات القاهرة)، والقيروان، والبصرة، وإشبيلية، وتونس.
 وكان أغلبها في البدايات معسكرات للجيوش، وشكّل بعضها محطاتٍ هامةٍ على الطرق التجارية الصحراوية بعيدة المسافات والتي تنطلق من إيران، وبعض أجزاء الهند وتصل إلى البحر الأبيض المتوسط عبر العراق، وسوريا، وشمال الجزيرة العربية، وبعضها الآخر يمتد جنوباً إلى اليمن ثم إلى سواحل البحر الأحمر. 
كما بنى الأمويون في الأندلس عدة مدن جديدة، من أهمها قرطبة التي أصبحت العاصمة الجديدة للحكم الأموي، وتقع على نهر الوادي الكبير الذي كان يزودها بطريق مائية تُجلب بواسطتها السلع والمواد الأولية الضرورية للغذاء والصناعة. 
وكان القمح والمنتجات الزراعية الأخرى التي تحتاجها المدينة تُزرع في أراضٍ مرويّةٍ مما جعل قرطبة، وهي ملتقى طرق تجارية أيضاً، سوقاً للتبادل التجاري بين الريف والمدينة. 
ويتضح من تحليلات الكتاب التاريخية والسوسيولوجية للكاتب أن تأثير المدن العربية الإسلامية في الحضارة الأوروبية كان كبيراً، خصوصاً في النواحي العلمية والتقنية، والأدبية والاخلاقية مما ساهم في إحداث النهضة في البلدان الأوروبية التي مهدت للتفوق الأوروبي اللاحق عسكرياً وحضارياً. 
ويتبيّن من التحليلات أيضاً أن المدن الإسلامية حافظت على دورها المبجّل كقلاع لنشر الإيمان، وصانت طابعها الإسلامي الخاص منذ إنشائها، أو تجديدها، وحتى بدايات القرن التاسع عشر للميلاد حين بدأت تفقد طابعها التقليدي المميز وتأخذ طابعاً أوروبياً غربياً بتأثير من السياسات الأوروبية والعلاقات الحضارية المتنوعة معها.
  ويقع الكتاب الذي صدر حديثاً عن دار الصايل للنشر والتوزيع في عمان في 288 صفحة من القطع المتوسط، ويتضمن الفصول الستة التالية: المدن في الحضارة العربية الإسلامية، تعريفها وخططها، والتحوّلات الحضرية في العالم العربي الإسلامي، والتنظيم الاجتماعي للمدينة العربية الإسلامية، وتأثير المدن العربية الإسلامية في النهضة الأوروبية الحديثة، وتحديث المدن العربية الإسلامية على النمط الأوروبي، وخاتمة الكتاب.
وتبذل الحكومات العربية والإسلامية حالياً – كما يتضح من تحليلات الكتاب- جهوداً متواصلة لتنمية المدينة، والمجتمع بشكل عام لزيادة الانتاجية، وتيسير الخدمات، وتحسين مستوى الدخل والمعيشة للدولة وللمواطنين بجميع فئاتهم، وخلفياتهم الاجتماعية، والدينية، والاقتصادية باللجوء إلى منهجيات التنمية الشاملة، والحكومة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي، والتخطيط الحضري المناسبة بحيث يتم المحافظة على عناصر منتقاة من الهّوية التقليدية الأصيلة للمدن العربية الإسلامية القديمة، وضمان مستوىً مناسباً من الخدمات العامة والرفاهية للمواطنين، وضبط عنان قوى السوق المعوّلم في صياغتها لبيئة المدينة وأسواقها وأحيائها السكنية ، والعلاقات الاجتماعية داخلها، ومعمارها الهندسي المميّز.