كذبة المفاوضات مع الحوثيين

المجتمع الدولي الذي صدق الكذبة الإيرانية في اليمن مدعو الآن لإعادة النظر بموقفه.

ما لا يمكن استيعابه هو الأسلوب الذي يتعامل من خلاله المجتمع الدولي مع الظاهرة الحوثية في اليمن، بكل ما تنطوي عليه من خروج وانقلاب على الشرعية الوطنية وخيانة للاتفاقيات وفرض أجندة طائفية على الشعب اليمني بقوة السلاح وبتمويل إيراني.

كل ما فعله الحوثيون عبر سنوات صراعهم مع الحكومة اليمنية لا يوحي بالثقة. وإذا ما كانت ستة حروب خاضوها ضد حكومة صنعاء لأسباب طائفية قد صارت جزءا من الماضي فإن ما فعلوه يوم انقلبوا على الشرعية واحتلوا العاصمة مستغلين ضعف السلطة بعد خلع الرئيس السابق علي عبدالله صالح يؤكد بالملموس وقوفهم ضد الخيار الوطني الذي كان أساس انتفاضة الشعب اليمني ضد النظام السابق.

وبسبب نزعتهم الطائفية المتخلفة فقد رأوا في ذلك الخيار الذي حظي بإجماع شعبي سدا يحول دون استمرار اليمن في حروبه المتشعبة التي أبقته محجوزة في زمن القبلية الذي يمنع قيام دولة بالمفهوم الحديث، بالرغم من أن الشريحة الأكبر من الشعب اليمني تحلم بقيام تلك الدولة.

أكثر من هذا فقد جر الحوثيون اليمن إلى أن يكون جزءا من جدل دولي خطير بنتائجه من خلال ارتباطهم بنظام آيات الله في طهران. وهو ارتباط تخطى العقيدة إلى أن يوضع اليمن تحت هيمنة الحرس الثوري الإيراني وهو ما كشفت عنه تصريحات قادة ذلك الحرس حين اعتبروا مضيق باب المندب ميناء إيرانيا يمكنهم التحكم به.

كل ذلك يعرفه المجتمع الدولي. لذلك فإن ما يدعو إلى الاستغراب أن تنظر المؤسسات السياسية الدولية إلى الجماعة الحوثية باعتبارها جزءا من الحوار الوطني وليس مجرد ميليشيا مسلحة عرضت أمن اليمن واستقراره للخطر وكان انقلابها سببا في قيام حرب مدمرة، دفع ثمنها الباهظ أبناء الشعب الذين كانوا يحلمون بإقامة نظام سياسي بديل لنظام لم يعد صالحا بسبب ارتباطه بشخص واحد.

ولأن الحوثيين يدركون أنهم لا يملكون حجة لإقناع الرأي العام العالمي بأنهم أهل للحوار السياسي فقد امتنعوا عن الحضور إلى جنيف لإجراء المفاوضات مع وفد الشرعية الذي حضر ليثبت للمجتمع الدولي خطأ توقعاته.

ولكن هل علينا أن نصدق أن المجتمع الدولي ممثلا بالوسيط الدولي كان يتوقع أن عصابة مسلحة غزت عاصمة بلادها واحتلتها بقوة السلاح الإيراني ستقبل على الحوار بروح وطنية بناءة؟

هناك الكثير من علامات الاستفهام في موقف المجتمع الدولي من ظاهرة شاذة، هي السبب في انهيار العملية السياسية في اليمن والتي كان من الممكن أن تنتقل بالدولة من مرحلة الحاكم الواحد إلى مرحلة تنتقل باليمن إلى العصر الحديث، لن يكون الحوثيون بنزعتهم الطائفية المتخلفة جزءا منه.

اليوم ومع عزوف الحوثيين عن الحوار السياسي الوطني بإشراف دولي صار موقفهم المناهض للحل السياسي معلنا بطريقة لا تقبل اللبس. وإذا ما كانت هناك أطراف دولية تسعى إلى وضع القضية اليمنية في سلة التسوية الدولية لمشكلات المنطقة فإن ذلك المسعى يعد جريمة في حق الشعب اليمني الذي ينتظر بفارغ الصبر من المجتمع الدولي موقفا منصفا من محنته التي صنعتها ميليشيا مسلحة، كان الإرهاب وسيلتها لفرض عقيدتها المتخلفة.

كان مخيبا لآمال اليمنيين أن يستمر المجتمع الدولي في غض النظر عن الحوثيين باعتبارهم جماعة إرهابية. وهو موقف مريب في ظل حمى الحرب على الإرهاب التي تجتاح المنطقة.

فالحوثيون ارهابيون وهم في سلوكهم العملي لا يختلفون عن أية جماعة مسلحة، تم وضعها في قوائم الإرهاب.

وبغض النظر عن حرص أطراف في المجتمع الدولي على التغطية على الحقيقة، فإن الوقائع ستكشف عن أن إيران وقد صارت طرفا ممهدا للحرب في اليمن ومستفيدا منها ستسعى إلى أن تستعمل الحوثيين ورقة في صراعها مع العالم في محاولة منها للمقايضة في مواجهة العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها. يومها لن يفر المجتمع الدولي من الاعتراف بحقيقة الجماعة الحوثية التي لا يليق بأحد أن يحاورها.