كمال الحكيم: زهير العيادي 'ذاكرة نضال'

نسيبة العيادي ترى أن صدور هذا الكتاب هام جدا فقد أظهر حق والدها ورفع عنه المظلمة.

تحدثت الفنانة التشكيلية نسيبة العيادي عديد المرات عن مسيرة والدها زهير العيادي الذي تعددت أنشطته لتقول "أنا ابنة المناضل بالقلم وعميد الصحفيين المرحوم زهير العيادي صاحب جريدة تونس الجديدة الناطقة باللغة الفرنسية زمن الاستعمار الفرنسي وهو مؤسس النادي التونسي سنة 1928 قبل أن يصبح النادي الرياضي الصفاقسي. لما توفي كتب عنه الإعلامي التوفيق الحبيب مقالة بعنوان: Zouhair Ayedi :Un sang d'encre.. إن صدور هذا الكتاب هام جدا اظهر له حقه ورفع عنه المظلمة..".

وقد صدر مؤخرا كتاب في هذا الصدد بعنوان "زهير العيادي ذاكرة نضال في السياسة والصحافة والرياضة" للدكتور كمال الحكيم الأستاذ والباحث في التاريخ الاجتماعي والثقافي، وذلك عن منشورات "ليدرز" وفي أكثر من مئة صفحة منتهيا إلى جملة خلاصة هي "ولعل الغاية الرئيسية من التعرض لهكذا نموذج من مسيرة نضالية حافلة، هو التعريف بها، وصونها من النسيان وإنصافها..".

وفي هذا الصدد "نقرأ في هذا الكتاب مسيرة زهير العيادي أحد عناصر النّخب التونسية الفاعلين في الحراك الوطني سياسيا وصحفيا وجمعويّا في ريادة تُحسب له. فقد تفرّد بزخم تضحويّ غير محدود، وقدرة لافتة على استدماج حداثة من خارج سياق مجتمعه التّقليدي، إذ واكب نشأة العمل الحزبي سواء اليساري أو الدستوري أو النّقابي بتونس العاصمة ومسقط رأسه مدينة صفاقس تأسيسا وانخراطا ونضالا، كما ساهم في بعث ثاني الصحف التونسية الناطقة باللسان الفرنسي بجهته تحت عنوان 'تونس الجديدة' (La Tunisie Nouvelle) منذ 1927، وأشرف على تأسيس أحد أعرق الفرق الرياضية في تونس منذ 1928 وهو 'النادي التونسي' (النادي الرياضي الصفاقسي حاليّا)، إلى جانب تولّيه مهام التّسيير ضمن عديد الجمعيات الثقافيّة والإغاثيّة، ومارس التّحديث الزّراعي من موقع العارف المختصّ. ذاكرة حيّة ومضيئة من شأنها أن تنصف هذا الرجل الذي حاولت بعض الشخصيات تغييبه من السّرديّة الرسميّة لأنها لم تكن مرتاحة لصيت زهير العيادي وتاريخه النّضالي، وترى فيه منافسا جدّيا لها بجهة صفاقس بعد الاستقلال.." .

كتاب مهم لما تضمنه من سردية وشهادات وتناول يخص مجالات السياسة والصحافة والرياضة التي خاضها ونشط ضمنها الراحل زهير العيادي ومكن ذلك نقرأ "والملاحظ أنّ زهير العيادي يميل أكثر في أغلب مقالاته الصحفية إلى الجهر علنا دون احتراز إلى تحميل السّلط مسؤوليّة الانحطاط الاجتماعي في تونس، وهي لئن وعدت باتباع خطّة للتّمدين وتأهيل البلاد لاستحقاقات الحياة الحرّة... فإنّها لم تفعل شيئا من وعدها فيما يخصّ التونسيين سكان البلاد. ويخلص إلى وجوب اليأس منها ومن وعودها الإصلاحيّة ومراوغاتها، وإلى الاستمرار في النضّال والاعتماد على النفّس... وإلى جانب المواضيع التي تهمّ البلاد التونسية، لم يهُمل العيادي التطرّق إلى الأوضاع السياسية ببعض الدول العربية الأخرى مثل تنديده بالاستعمار الاستيطاني بالجزائر، واستيائه من بعض النّخب الجزائريّة التي كانت تدافع عن مبدأ الاندماج مع المستعمر، كذلك تحدّث عن خلفيّات وعد بلفور سنة 1917 الذي يمنح اليهود حقّ إنشاء وطن قومي مزعوم في فلسطين، وكيف أنّ هذا الوعد أصبح حجر الزاوية في المخطّطات الصّهيونيّة. وقد جلبت له انتقاداته اللاّذعة للاستعمار الإيطالي في ليبيا على أعمدة صحيفته عديد المشاكل، من ذلك مقاله المعُنون 'فرقعات متأخّرة: السّلام في العمل' الذي تهكّم فيه على أكاذيب فرانسيسكو بونور عضو هيئة تحرير صحيفة الاتحاد لسان حال الجالية الإيطاليّة بتونس، وبيّن أنّ الشّعار الأكذوبة 'السّلام في العمل' الذي ما انفكّت تروّج له الصّحيفة إنما هو للتّغطية على معاناة الشّعب اللّيبي وعلى جرائم ميليشيات القمصان السّوداءLes chemises noires ، ودعا الليبيين إلى النضّال ضدّ الفاشية وأطروحاتها العنصريّة 1. وهو ما جعله يتعرّض إلى تهجّم حادّ من جريدة

الإتحاد التي تصدر بتونس ونظرائها من الصّحف الفاشية في إيطاليا أمثال منبر روماLa Tribuna di Roma ، وشعب إيطاليا .Il Popolo d’Italiaورغم تهديدات الفاشيّين له، لم يتراجع زهير العيّادي عن نقدهم وفضح بشاعة جرائمهم في القطر اللّيبي، حتّى أنّ الحكومة الإيطاليّة تقدّمت بشكوى ضدّه سنة 1933 إلى السفير الفرنسي بروما هنري دي جوفنال Henry de Jouvenel الذي نقلها بدوره إلى وزير خارجيّة بلاده بباريس بيار كوت Pierre Cot . وقام هذا الأخير بتبليغها إلى المقيم العام الفرنسي بتونس فرانسوا منس يرون ،François Manceron فتمّ استدعاؤه من طرف المراقب المدني بصفاقس بيار بارتول Pierre Bertholle الذي نبّهه بشكل مباشر، ودعاه إلى الكفّ عن نقد السّياسة الإيطاليّة في ليبيا والتّحريض ضدّه...".

كتاب جدير بالقراءة ضمن سياقات من الحياة التونسية زمن النضال وفق حيز من سيرة ومسيرة المناضل في السياسة والصحافة والرياضة الأستاذ زهير العيادي رحمه الله.