كما لو أن اللبنانيين ممثلون في مسرحية هزلية

يحتاج لبنان أن يرد على سؤال وجودي: هل هو دولة أم ضاحية؟

بعد المسرحية الهزلية التي وقعت أحداثها شمال فلسطين قبل أيام والتي تبين من خلالها أن حزب الله لم يستهدف إلا عربة مسيرة وجنودا هم عبارة عن دمى، ألا تحق لنا المطالبة بإنهاء اللعبة الإيرانية في لبنان، لتتكفل الدولة اللبنانية بمهماتها في حماية أراضيها وفضائها؟

لقد ضمنت إسرائيل لحسن نصرالله القدرة على أن يفي بوعده حين وصلت صواريخه إلى إسرائيل. ولكن خطاً ما حدث كان وراء الفضيحة الذي لم يرغب الجيش الإسرائيلي في أن تكون مصدرا للسخرية. لقد أفسد المدنيون ما كان العسكر قد جعلوا منه وسيلتهم للتسلية.

ما يعرفه الإسرائيليون أن حزب الله يقضي الوقت كما لو أنه يدخر قوته لوقت عصيب مقبل. وهو ما يمكن تفهمه في سياق النظر إلى الأزمة العصيبة التي تمر بها إيران وهي الجهة التي تمول حزب الله. ولأن الإسرائيليين لا يخسرون شيئا في انتظارهم فإنهم يحولون الحرب إلى نوع من الألعاب المسلية.

الخاسر الأكبر هو لبنان.

ذلك بلد معطل. دولته لم تعد أمنة وحكومته مرتهنة وشعبه يعيش في حالة ترقب وانتظار. اما وضعه المصرفي فإنه على وشك الانهيار. وليس من باب التشاؤم القول إن التراجع الذي شهده لبنان عبر العقدين الماضيين صار هو القاعدة التي لا تقبل إي استثناء. تراجع لبنان على كل المستويات ولم يعد ذلك البلد المزهو بنفسه. وهو ما انعكس سلبا على الشخصية اللبنانية التي لم تعد تطيق النظر في المرآة.

لقد مسخ حزب الله لبنان على صورته.

كل ما شهده اللبنانيون من أهوال عبر سنوات الحرب الأهلية الممتدة بين عامي 1975 و1990 لا يمكن مقارنته بالكارثة التي صارت بمثابة تعريفا به منذ أن بزغ نجم حزب الله منتصرا عام 2000. ذلك نصر، تبين لاحقا أن اللبنانيين سيدفعون ثمنه في سجال مسلح لن ينتهي.

عام 2000 انتصر حزب الله وهو العام نفسه الذي بدأ لبنان يتخبط في حيرة وجوده الاستفهامية. فهل هو دولة أم ضاحية؟ هل لديه حكومة بسيادة وصلاحيات مستقلة أم هي مجرد واجهة مركبة في سياق استعراضي يُراد من خلاله تعطيل كل ما له علاقة بالخدمات؟ ألديه مجلس نواب تشريعي ورقابي أم أنها حفلة باحثين عن وجاهة مفقودة؟ الأدهى من ذلك كله أن اللبناني لم يعد يثق بلبنانيته في ظل خضوعه صاغرا لما يقوله "سيد المقاومة" وهو مجرد أجير إيراني سبق له وأن أعلن على رؤوس الأشهاد أنه يقبض راتبه الشهري من إيران باعتباره جنديا لدى الولي الفقيه.

أعتقد أن لبنان بلغ درجة من الإذلال لم يبلغها أي بلد محتل في التاريخ الحديث. وليس أدل على ذلك من أن رئيس دولته قد تم تعيينه من قبل حزب الله بعد أن تم تعطيل ذلك الاستحقاق حوالي سنتين.

لا يهم بالنسبة لحزب الله أن يتعرض لبنان لسخرية قادة الجيش الإسرائيلي الذين يتعاملون معه باعتباره ضيعة يحكمها نصرالله. هم في ذلك لا يبالغون ولا يزورون الحقيقة. فـ"نصرالله" لا يخاطب اللبنانيين باعتباره زعيما لحزب أو ميليشيا وهو لا يخاطب العالم باعتباره لبنانيا.

لقد انتهت منذ أكثر من عشر سنوات معزوفة المقاومة. يعرف نصرالله أن اللبنانيين قد تعرفوا على وجهه القبيح ولكن ذلك لا يعنيه في شيء ما دام قادرا على اخضاعهم بقوة المعادلات الإقليمية والدولية. وهو ما تأخر اللبنانيون في مقاومته بحيث أصبح واقع حال.

قد لا يصدق اللبنانيون أنهم صاروا موقع سخرية، بحيث يخيل إليهم أن ضرب عربة مسيرة ومجموعة من الدمى هو النصر الذي وعدهم به نصرالله.

سيكون من الصعب تصديق ذلك غير أن التراجع اللبناني يمكنه أن يكونه مسوغا لكل أنواع الانهيارات.