"كوتشينة" رواية اجتماعية تقوم على تحليل الشخصيات

رواية نشأت المصري تتميز الروية بأنها مطرزة بوهج الرومانسية، مما يضفي على الواقعية الاجتماعية لونا من البهجة، والإثارة.
الشخصية الروائية تمثل المعاني الإنسانية ومحور الأفكار والآراء العامة
القاص يصوغ أفكاره عبر طبائع وخصال الأشخاص الذين يوجدون بيننا 
التوافق في الطباع هو أهم ضمان؛ لنجاح الحياة الزوجية بين الرجل والمرآة

صدر عن "دار الهلال"  بالقاهرة  رواية "كوتشينة" للشاعر والروائي نشأت المصري، وتتميز الروية بأنها مطرزة بوهج الرومانسية، وهذا يضفي على الواقعية الاجتماعية  لونا من البهجة، والإثارة؛ علاوة على تعدد المداخل التي تمكن أي متلق من الولوج  في أغوار النص من عدة زوايا؛ انطلاقا من جمال السرد، وتدفق الأحداث، وجودة المحتوى الفكري. وسوف أقرأ هذه الرواية من خلال الشخصيات، لأن الشخصية الروائية تمثل المعاني الإنسانية ومحور الأفكار والآراء العامة، التي يسوقها الكاتب عند تناول القضايا بصفة العامة، حيث يصوغ القاص أفكاره عبر طبائع وخصال الأشخاص الذين يوجدون بيننا في المجتمع، على اعتبار أن الفرد هو أهم لبنة في بناء الأمم. 
نجحت الرواية في تحديد المعالم والمكونات الداخلية والخارجية لشخوصها، ويمكن متابعة بعض القضايا من خلف سلوك أبطال الرواية كما يلي:
1- التغير في تصرفات الشخص: تمثل شخصية خليل الذي لم ينل حظه من التعليم نموذجًا لهذا التغير، حيث تقترن البساطة بالتعقيد، والنرجسية، فبعد أن قبلت سماح ذات السابعة عشر ربيعًا من الزواج به وتركت الدراسة، شعر بالسعادة، لأن ما يكسبه من مال ضئيل مقابله إدارته للسرجة جلب له الفتاة النابهة الفقيرة كزوجة، والتي كان من المستحيل أن تقبل الارتباط به بسبب التباعد الثقافي، إلا من أجل الحياة، وهذا جعله يبذل كل ما يستطيع للحصول على الثروة، لأنه النافذة الوحيد الذي سوف يطل منها على العالم وقد نجح في ذلك.
انتقل خليل من الفقر نحو الثراء بسرعة، ولكن ضعف رصيده العلمي جعل المال الذي بيده قوة ببطش بها، ومع التقدم في العمر، تحولت متعته نحو توظيف هذا المال في العبث مع النساء، كأنه يريد أن يعوض النقص في نفسه، بثقافة إشباع الرغبة.

الحياة مثل لعبة الكوتشينة؛ فيها المكسب والخسارة والحظ والتفكير والاجتهاد والضياع

ومع تطور أحداث الرواية وتفاعلها، يتكشف للقارئ كلما تقدم بالقصة، مدى التغير في السلوك والتفكير، لقد أصبح النمو في رغبات خليل مطردًا، وتحول من الانغلاق على الذات إلى الانفتاح على مجتمع اللذات المادية، وتبنى أنماطًا سلوكية عكس أنماطه السلوكية القديمة؛ وفي محاولة لمحو الشعور بالعجز المعنوي نتيجة ضعف الإطار الفكري؛ أصبح مشروعه الشخصي في الحياة؛ هو التنقل من حضن امرأة إلى أخرى، وأسفرت التصرفات العبثية عن طلاق الفتاة التي كانت منتهى أمله في بواكير الشباب، كل هذا يؤكد أن المال في أيدي الشخصية الجاهلة أو المشوهة من الوارد أن يتحول إلى معول هدم في بنيان المجتمعات.
2- مقاومة الواقع السلبي: رغم أن إيجابية الإنسان تكمن في مقاومته الواقع السلبي؛ وتغيير الأمور إلى صالحه، ولكن سماح كانت نموذجًا للاستلام، وقبلت بالزواج من خليل للفرار من الفقر، وقد رسم المؤلف صورة سماح الخارجية مغلفة بالجمال والأنوثة، وهذا يبرر إعجاب الذكور بها، أما تفاصيلها الداخلية من عواطف جياشة، وأحاسيس مرهفة، وأفكار حالمة، وتصرفات متزنة؛ أنما جاءت لتبرر انفجار الصراع  والتصادم؛ بين رومنسيتها والمادية الطاغية في نفس زوجها خليل.
وكان من الطبيعي بالنسبة لسماح أن تكتشف بعد أن ملأت بطنها، أن الفقر  الحقيقي يكمن في ضحالة الفكر، وجفاف الأسلوب؛ وخواء الروح، لأن غياب تلك الأشياء المهمة بالنسبة لها؛ كان أشد شراسة من الجوع المادي، لقد كانت تعاني من غلظة الزوج، ولغته الفظة، حتى في ممارسة الحب، ينقض عليها بحيوانية؛ دونما مراعاة للتدرج في فتح مزاليج الأنثى المغلقة بالمداعبة، حتى نوع العطر الذي كان يستخدمه قبل اللقاءات العاطفية، كان منفرًا؛ لم يحاول تبديله بعطر آخر يناسبها، كانت كلما فاحت منه هذه الرائحة؛ عرفت أنها يتأهب للفراش، هذا المثير الشرطي الكئيب كان يخنقها. ورغم أنها أنجبت منه ولدًا، إلا أن عدم التكافؤ العاطفي؛ دفعها للبحث عن الرومانسية لدى شخص آخر، وعندما استقل ابنها بالزواج من الفتاة التي اختارها، انتهت علاقة سماح مع  خليل بالطلاق.
ومع كل ما سبق، لا يمكن أن ننكر أن السلبية في شخصية سماح؛ كانت انعكاسًا للظروف السيئة نتيجة فقدان العائل، لقد أفقدها الفقر الإرادة أو القدرة على الإدراك في بواكير حياتها، وبالتالي تحملت عواقب القرار الخاطئ، وأنفقت أكثر من عقدين من عمرها قبل الخلاص من هذا الزواج غير المتكافئ.
3- عقدة الذنب: غالبًا ما يعيش الإنسان محطمًا، نتيجة عدم قدرته على التخلص من الشعور بالذنب، وتلك هي مأساة صفوت ذلك الشخص الرقيق الحالم عازف الموسيقى، لقد كان صراخ ابنه لا يفارقه؛ فقد مات طفله الصغير تحت عجلة سيارته الخلفية؛ وهو يرجع بها إلى الخلف؛ أمام بوابة العمارة التي يقطنها، هذا الحادث يؤرقه كلما اختلي بنفسه أو تذكره أو نتيجة لتكرار اللوم من زوجته شيماء، والتي تعايره بتهوره تارة، وبفقره تارة أخرى.

novel
عقدة الذنب

لقد زادت معاناة صفوت بعدما تعرف على خليل وزوجته سماح في النادي، لأن شيماء زوجته دائما ما كانت تقارن بين فقره وبين ثراء صديق العائلة الجديد، مما شل إرادته تماماً، وهذا أفقده القدرة على الاندماج في العالم المحيط، بأن فقد فاعليته، فضلاً عن إحساسه بالحياة، وأصبح من الكائنات المستهلكة، 
ربما كانت نسمات الرومانسية التي يشعرها بها صفوت تهب عليه من أريج صديقة العائلة سماح، وتطورت العلاقة بينهما إلى حب مكبوت، انتهى بالبوح، والغريب أنهما لم يتزوجا من بعضهما البعض بعد انفصال كل منهما عن زوجه، حيث استقر كل واحد منهما في أحضان عريس جديد. لقد أسس المؤلف الخصائص والدوافع الشخصية لدى سماح بما يناسب النهاية التي أرادها.
4- الشخصية المادية: وهذا برز معالم هذه الشخصية في سلوكيات شيماء الحاصلة على بكالوريوس الهندسة، كانت جل أولوياتها تدور حول اكتساب الأموال، واقتناء أفخم المنتجات من أجل مظهر جذاب، أو من أجل التفاخر بالذات بين دائرة المعارف، ومن بديهيات المنطق أن يحدث التصادم بين شيماء وزوجها الحالم، نتيجة لعدم قدرته على كسب المال؛ ليحقق لها ما تريد؛ ولذلك تمردت عليه، وعندما لمحت بوادر الإعجاب في نظرات خليل المتغطرس بماله؛ هرولت إليه، وعندما وعدها بالزواج؛ طلبت الطلاق من صفوت؛ لتسبح فوق ثروة خليل، الذي كبح جماح شهوتها للجنس والمال في آن واحد.
5- التوافق في الطباع: يبدو أن الشخصية المادية لا تتأثر إلا بالبعد المادي حتى وإن كانت حاصلة على أرقى الدرجات العلمية، كما شخصية شيماء؛ والتي ترتضي بالحياة مع خليل الجاهل لأنها يشبع احتاجتها المادية، بل وتعودت على عطره المنفر طالما اقترنت رائحته بإشباع رغباتها الملتهبة، وعاشت معه ونسيت بنتيها كما نسي خليل ابنه، كلاهما يعيش لنفسه ولرغباته.
على العكس كان صفوت وسماح كنموذج للحالمين بالرومانسية، وعلى الرغم من أن الحب الذي جمع بينهما لم ينته بالزواج، بسبب ظروف طارئة، تزوج كلاهما من آخر، ولكن هذا الآخر كان يملك نفس الطباع.
لقد برهنت الرواية من خلال أحداثها وشخصياتها؛ على أن التوافق في الطباع هو أهم ضمان؛ لنجاح الحياة الزوجية بين الرجل والمرآة، وتلك الحقيقة الكونية كانت من ضمن العديد من القيم الإيجابية؛ التي طرحتها الرواية؛ والتي اشارت أيضًا إلى أن الحياة مثل لعبة الكوتشينة؛ فيها المكسب والخسارة والحظ والتفكير والاجتهاد والضياع.