كورونا والتغطية الإعلامية: المسؤولية والمساءلة

الإعلامي العلمي الكفء ما زال عملة نادرة في عالمنا العربي.

إستجابة وسائل الإعلام العربية لتغطية فيروس كورونا، تطرح عدة تساؤلات مهمة منها: هل التغطية الإعلامية عموماً موضوعية أم متحيزة؟ وهل وسائل الإعلام الاجتماعية تقوم بدورها المسؤول في نقل الحقائق بدقة وموضوعية تجاه فيروس كورونا؟ وهل قام الإعلام العلمي العربي بدوره المطلوب تجاه أزمة كورونا؟

أثبت الإعلام الجديد في العصر الرقمي أنه قوة فعالة لا يستهان بها في التغيير والتأثير على الأفراد والمجتمعات والدول، ولكن قبل أن يصبح هذا الإعلام قوة من دون مسؤولية اجتماعية، أصبح هناك ضرورة عاجلة لوضع ضوابط وتشريعات جديدة من شأنها تنظيم آلياته وفعالياته وأدواره المتسارعة والمتزايدة.

وللإستجابة لفيروس كورونا، أساء البعض استخدام مساحة الحرية المتاحة عبر وسائل الإعلام الجديد مثل المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، وتويتر، من خلال نشر معلومات مضللة وغير صحيحة أو تغريدات مسيئة، الأمر الذي يؤدي إلى عواقب وخيمة تضر بالصالح العام، ويثير علامات استفهام وتساؤلات مشروعة حول حرية الإعلام، وحدود المسؤولية والمساءلة والعقوبات المطلوبة.

كما أن فيروس كورونا يجب أن يفتح الباب واسعاً لمناقشة دور وأهمية الإعلام العلمي، وضرورة تأسيس إعلام علمي له رؤى جديدة ورسالة واضحة المعالم والأهداف تتبناها المؤسسات الصحفية وتساهم فيها، جنباً إلى جنب الجامعات والمراكز العلمية والبحثية لتحقيق نهضة علمية واعدة.

يمكن القول بأن نظم الإعلام العربية تخلو من كفاءات الإعلام العلمي القادرة على القيام بدورها أثناء الأزمات الصحية العالمية. فالإعلامي العلمي العربي لم يتم إعداده وتدريبه بصورة كافية لأداء مهنته وكيفية اتصاله وتواصله بالجماهير، وهو ما يدخل ضمن مجال حديث ومهم يعرف بـ "التواصل العلمي". فكليات الإعلام قد لا تهتم كثيراً بإعداد الإعلامي العلمي المتخصص. فالبرامج العلمية في الإذاعة والتليفزيون تعاني من غياب المحرر العلمي الكفء، كما أنها عاجزة عن إعداد برامج وأفلام علمية متميزة تعبر عن بيئتنا العربية وتثير في المستمع أو المشاهد الرغبة الحقيقية في معرفة طبيعة وأسرار العلم والتكنولوجيا. وما زالت تغطية أخبار العلم والتكنولوجيا في وسائل الإعلام العربية عموماً أقل مما يجب، ولا تلاحق اتجاهات العلم والتكنولوجيا الحديثة، وقد لا يملك الإعلامي العلمي الخبرة الكافية لتغطية مجالات علمية مهمة وحديثة، وهو في الوقت نفسه مقيد بجدول زمني ومساحة صغيرة، ولغة مبسطة يفهمها الجمهور غير المتخصص.

ومن واقع خبرتي وتجاربي الصحفية في الصحافة العلمية وبخاصة في صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، حيث كتبت فيها التقرير العلمي والخبر العلمي والرأي العلمي، كما أجريت العديد من الحوارات العلمية الحصرية الجادة مع علماء عرب وأجانب، أمثال، الدكتور أنتوني عطا الله، مدير معهد طب التجديد في جامعة ويك فوريست في مدينة وينستون - سالم بولاية كارولينا الشمالية الأميركية، والذي يعد أحد أبرز رواد العالم في مجالي طب التجديد وهندسة الأنسجة، وجيسون بونتن، والذي تولى رئاسة تحرير ونشر مجلة «إم آي تي تكنولوجي ريفيو» الأميركية في الفترة (2005-2017)، والدكتور فاروق الباز، مدير مركز الاستشعار عن بعد بجامعة بوسطن، والدكتور منير نايفة، أستاذ الفيزياء النظرية والنانوتكنولوجي بجامعة الينوي الأميركية، والدكتور فتحي غربال أستاذ الروبوتات والانظمة الذكية بجامعة رايس الأميركية، والدكتور عمر ياغي، أستاذ الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، والدكتور شارل العشي، المدير السابق لمختبر وكالة ناسا للدفع النفاث، وأستاذ الهندسة الكهربائية وعلوم الكواكب بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، والدكتور جيم الخليلي، رئيس جمعية العلوم البريطانية وأستاذ الفيزياء النظرية والمشاركة المجتمعية في العلوم بجامعة سري البريطانية، والمذيع التلفزيوني، وغيرهم، وقد أثنى العديد من القراء والمتابعين على هذه المقالات والتقارير والحوارات، من خلال ذلك أستطيع القول بأن الإعلامي العلمي الكفء ما زال عملة نادرة في عالمنا العربي، وبخاصة مع تعدد التخصصات والمجالات العلمية الجديدة، حيث لم يعد كافياً فقط أن يكون هناك صحفي علمي يتناول ويغطي جميع التخصصات العلمية، بل أصبحت هناك ضرورة ـ كما يوجد في الدول المتقدمة ـ أن يكون لدينا صحفيون علميون متخصصون في مجالات علمية محددة. ففي الصحافة العلمية في الدول المتقدمة نجد صحفيا متخصصاً في علم الأوبئة أو النانوتكنولوجي أو في البيئة، أو في الذكاء الإصطناعي أو الروبوتات أو تقنية المعلومات أو في الصحة أو في الغذاء، إلى غيره من شؤون وتخصصات علمية وتكنولوجية مستحدثة.

تنظيم ومساءلة ومحاسبة كل من يتسبب في أي مخالفات أو تجاوزات في عصر الإعلام الجديد وبخاصة وقت الأزمات بات ضرورة عاجلة، ويجب ألا يفهم منه أنه تقييد للحريات أو تكميم للأفواه، وإنما هو بهدف حماية الأشخاص والمجتمع ومؤسسات الوطن والصالح العام، وحتى لا يصبح هذا الإعلام قوة من دون مسؤولية، كما يجب التأكيد على أهمية تضافر جميع الجهود الفردية والمجتمعية نحو نشر ثقافة الوعي بالمسؤولية والمحاسبة تجاه استخدام وسائل الإعلام الجديد، وأهمية تربية أبنائنا منذ الصغر على المسؤولية والمساءلة، حتى لا تتحول الأخطاء التي نظنها صغيرة إلى مشاكل وكوارث كبيرة، إذا تجاوزنا عنها ولم نسارع بإصلاحها في الوقت المناسب ومحاسبة ومعاقبة المتسببين فيها.

إستجابة وسائل الإعلام العربية لفيروس كورونا يجب أن تتم معايرتها بدقة مع الواقع، مع تجنب أي تلميحات لإثارة الذعر أو الهلع، وفي نفس الوقت لا تقلل من الحجم الحقيقي للأزمة، مع إدراك أن التغطية المسؤولة جزءاً من الحلول وإثبات حقيقي للقيم الأخلاقية للإعلام عالي الجودة.