كورونا.. والدعوة لإنشاء مركز للإعلام العلمي

أزمة الوباء فرصة لبناء وتعزيز وتحسين القدرة والكفاءة المهنية للعاملين في الإعلام العلمي.

هناك حالياً اهتمام عالمي متزايد، وبخاصة في الدول المتقدمة، بالإعلام العلمي عموماً وبالصحافة العلمية خصوصاً، لإدراك هذه الدول للأهمية البالغة للعلوم والتكنولوجيا، وأكثر من أي وقت مضى، في مكانة ورقي وتطور المجتمعات والأمم.

ولم يعد دور الإعلام العلمي قاصراً فقط على نقل وترجمة الأخبار والتطورات العلمية فحسب، بل أيضاً ومهماً، دوره كإعلام علمي تنموي إستقصائي يكشف الجوانب الإيجابية والسلبية للقضايا والتطورات العلمية، ويستطيع ربط العلم بقضايا التنمية، وقادر على غرس وتعزيز مفاهيم وثقافة أهمية العلم والبحث العلمي وتقدير العلماء، وإعلاء قيمتها بين جميع أفراد المجتمع، وتوصيل رسائل لصناع القرار حول مزايا وقيمة ودور العلوم في النهوض بالأوطان، وكذلك سوء إستخدام العلم والتكنولوجيا، وذلك بهدف إعادة تشكيل المجتمع وفق منظومات ورؤى علمية جديدة، لبناء مجتمع قائم على المعرفة لديه قاعدة علمية متميزة لمواجهة التحديات وإيجاد الحلول العلمية والعملية لمشاكل المجتمع الحالية والمستقبلية المتوقعة، في ظل سباق عالمي متسارع نحو التميز والصدارة في العلوم والتكنولوجيا، عنوانه "اللحاق أو الانسحاق".

المعايير العالية في الإعلام العلمي، يجب أن تطبق، حيث يمكن لتقرير إعلامي أن يلحق الضرر بالمصلحة العامة، وبعض التقارير العلمية هي من مصلحة عامة الجماهير، وعندما يقوم الإعلام بخطأ في العلم، فإن النتائج يمكن أن تكون مدمرة.

ولهذا يعد بناء وتعزيز وتحسين القدرة والكفاءة المهنية للعاملين في الإعلام العلمي، وبخاصة الجماهيري منه، كالصحف والمجلات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية ومواقع الإنترنت والمدونات وشبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك، من القضايا الإعلامية العالمية المهمة، التي بدأت تفرض نفسها حاليا، وخصوصا في العصر الرقمي الجديد، وذلك للتصدي الفعال للكثير من القضايا العلمية البارزة في العصر الحالي، التي باتت تؤثر على حاضر ومستقبل الدول والمجتمعات، مثل الأمراض المعدية والأوبئة وقضايا سلامة الأغذية والأدوية والتغير المناخي والاحتباس الحراري، والنانو تكنولوجي (التقنيات متناهية الصغر)، والروبوتات والذكاء الإصطناعي، والخلايا الجذعية، وغيرها من علوم حديثة متسارعة، تفرض أخبارها وتطوراتها العلمية يوميا على الساحة الإعلامية، وتتطلب متابعة وتغطية علمية دقيقة وجادة وسريعة من الكتاب والصحافيين العلميين والعلماء، لبيان قيمتها وأهميتها ودورها في النهوض بقضايا التنمية في المجتمع.

ولعل هناك العديد من التساؤلات المطروحة منها: هل إستطاع الإعلام العلمي العربي أن يقوم بدوره في مواجهة وباء كورونا وتوصيل الرسالة الإعلامية بدقة وإحترافية والتوازن بين عدم التهوين والإفراط في التهويل، مع دحض الأخبار الكاذبة والشائعات؟ وهل هناك توازن بين سرعة نقل المعلومة والتأكد من صحتها؟، وكم من العلماء العرب خصص وقتا للتحدث والتعاون مع الصحافيين حول فيروس كورونا وكيفية إدارة مخاطره؟ وهل استطاع المختصين والأطباء وعلماء الأوبئة التواصل مع الجمهور بفعالية حول وباء كورونا؟

من يتابع التغطية الإعلامية العربية لتغطية وباء كورونا، يجد أن هناك تسرع في نشر الأخبار، كما أن التهويل في نشر وتداول الأخبار قد أًصاب الجمهور بالهلع الشديد.

التغطية الإعلامية العربية لفيروس كورونا تؤكد على أهمية إنشاء مركز للإعلام العلمي، يتولى تقديم محتوى إعلامي يتميز بالمهنية والاحترافية، ومناقشة أدوار ومهام الصحافيين العلميين والعلماء، وما يحتاجه كل منهما لدعم رسالة الإعلام العلمي، وأهمية الإدراك والفهم الأفضل لكل منهما لهذه المهام، وكذلك التعاون الجاد والجيد للقيام بالتغطية الإعلامية المناسبة والفعالة لمواضيع العلوم والتكنولوجيا، وكذلك استضافة العلماء والصحفيين والسياسيين وخبراء إدارة المخاطر لمناقشة كيفية الإبلاغ عن مخاطر العلوم والتكنولوجيا.

ومن واقع خبرتي وتجاربي الصحفية في الصحافة العلمية أستطيع القول بأن الإعلامي العلمي الكفء ما زال عملة نادرة في عالمنا العربي، وبخاصة مع تعدد التخصصات والمجالات العلمية الجديدة، حيث لم يعد كافياً فقط أن يكون هناك صحفي علمي يتناول ويغطي جميع التخصصات العلمية، بل أصبحت هناك ضرورة ـ كما يوجد في الدول المتقدمة ـ أن يكون لدينا صحفيون علميون متخصصون في مجالات علمية محددة. ففي الصحافة العلمية في الدول المتقدمة نجد صحفيا متخصصاً في علم الأوبئة أو النانوتكنولوجي أو الذكاء الإصطناعي أو الروبوتات أو تقنية المعلومات أو في الصحة أو في الغذاء أو البيئة، إلى غيره من شؤون وتخصصات علمية وتكنولوجية مستحدثة.

لقد أصبحت هناك أهمية متزايدة في عالمنا العربي، للاهتمام بهموم وقضايا الإعلام العلمي والصحافة العلمية، التي لم تعد ترفا، بل أصبحت ضرورة عاجلة لتغيير وتطوير المجتمعات، في ظل تحديات ومنافسات علمية عالمية متسارعة، تحدد مكانة وقيمة المجتمعات والدول، وأهمية الحاجة لإعلام علمي تنموي يربط العلم والتكنولوجيا بقضايا المجتمع وحاجات ومشكلات الأفراد، وكذلك أهمية دور العلماء في دعم رسالة الإعلام العلمي من خلال التعاون الجاد مع الإعلاميين والصحافيين العلميين، والحاجة المتزايدة لمبادرات عربية لتخصيص جوائز خاصة فقط في الإعلام العلمي بفنونه وأساليبه المختلفة، أسوة بالجوائز العربية الكثيرة في المجالات الأخرى كالفنون والآداب والرياضة، وذلك لدعم وتقدير وتشجيع المبدعين والبارزين في الإعلام العلمي من كتاب وصحافيين وإعلاميين وعلماء، وإعداد أجيال جديدة منهم تهتم بالعلوم والكتابة فيها، مع الإهتمام بالأساليب المستخدمة لتوصيل رسالة الإعلام العلمي، وبخاصة في العصر الرقمي الجديد.

وأخيراً.. من سيتولى إنشاء مركز للإعلام العلمي لمواجهة تحديات العلوم والتكنولوجيا، وتوصيل الرسالة الإعلامية العلمية بكل دقة وإحترافية؟