كيف تحاور متطرفًا وتقي أبناءك من التطرف؟

هشام النجار يعاكس صنيع سيد قطب عندما استفاد من أطروحات أبوالأعلى المودودي.
الجاهلية التي ذمها الإسلام ورفضها هي جاهلية جماعات التطرف والإرهاب اليوم
الحكم على حسني مبارك سيختلف تمامًا بمقارنته بعهد حكم الإخواني محمد مرسي، حيث ستظهر إيجابيات كثيرة لمبارك
من يلعب بنار جماعات التطرف تحرقه عاجلًا أم آجلًا

حرص الباحث المتخصص في الشؤون الإسلامية هشام النجار في كتابه "كيف تحاور متطرفا وكيف تقي أبناءك من التطرف" على معاكسة صنيع سيد قطب عندما استفاد من أطروحات أبوالأعلى المودودي بغرض تمصير أفكار تكفير المجتمعات والأنظمة والخروج عليها بالقوة المسلحة، حيث عرض بكتابه للعديد من القضايا والإشكاليات الفكرية لأطروحات من عارض أبوالأعلى المودودي ونقد أفكاره بعمق ورصانة ومصداقية من معاصريه من المفكرين الهنود الكبار مثل المفكر وحيد الدين خان الذي كانت له إسهامات مهمة في الرد على أفكار المودودي.
ولفت إلى أنه "إذا كان سيد قطب قد ولى نظره إلى الهند مستدعيًا القراءة الأحادية والتفسير السلطوي التكفيري للإسلام، فقد استدعينا نحن من نفس الساحة هناك الرؤى الأكثر تماسكًا وموثوقية وانسجامًا مع تعاليم الإسلام وسماحته ورحمته وشموله، لتدعم أطروحاتنا الفكرية المتعلقة بمسعى تشكيل إطار فكري متماسك مناهض لمناهج التكفير والعنف".
قسم النجار كتاب الصادر عن دار سما إلى ثلاثة محاور الأول تربوي، والثاني فكري، والثالث سياسي، وأظنه أول معالجة تستوعب هذه الأبعاد الثلاثة لمكافحة الفكر المتطرف سواء مغذياته التربوية أو أصوله الفكرية بجانب مزاعمه ورواياته السياسية المخادعة. وقال "كنت ولازالت على يقين بأن الشخص لا يتحول إلى متطرف فجأة بين عشية وضحاها، إنما هناك أنماط وسلوكيات تربوية نشأ عليها منذ صغره سواء في البيت أو المدرسة تكبر فيه يومًا بعد يوم إلى أن تتلاقى مع التأثير الخارجي، ويتعرض في شبابه أو مراهقته لمحاولة استقطابه وتجنيده لجماعة سلفية أو اخوانية أو جهادية.. إلخ، عندها سيكون مهيئًا للانضمام لجماعة سرية تكفيرية. لذلك تتبعت الكثير من هذه السلوكيات في الجزء الأول منها مثلا تعويد الطفل داخل نطاق الأسرة على السرية والكتمان، وتقديس الرموز داخل العائلة وعدم احترام التخصص وعدم احترام النقاش والحوار والعقلانية، وعدم استخدام المنطق وشيوع التلقي الأحادي من أعلى، إلى آخر تلك السلوكيات التي قد لا ينتبه أحدنا لخطورتها، والتي تعزّز قابلية الفرد على المدى البعيد للانجذاب إلى مثيلاتها داخل الجماعات المتطرفة المغلقة عندما يكبر".

المتطرفون والتكفيريون هم أشد الخلق كراهية لقيم ومظاهر الحضارة، ورأينا كيف يدمرون مظاهر التراث والآثار والمتاحف وكل ما يمت للثقافة والمكون الحضاري للأمم

وأضاف: طرحت في المقابل القيم التربوية التي ينبغي أن تطبق في الأسرة والمجتمع كأساس لبناء أفراد محصنين على المدى البعيد من التماهي مع الفكر التكفيري، وقادرين على صده ساعة التعرض لمؤثراته تلقائيًا وذاتيًا. كمثال سريع تحرص الجماعات المتطرفة على التنفير لدى الشباب المستهدف بالتجنيد من القيادات الوطنية مثل عبدالناصر والسادات وبورقيبة والملك حسين وعرفات وغيرهم، فضلا عن بث الكراهية ضد رموز الفكر والثقافة وقادة الجيوش، لأن خطة تلك الجماعات هي طرح البديل، ولن يكون قادتها هم الرموز المقدسين إلا بتحقير وتخوين القادة على الساحة العربية، لذلك طرحت منهجًا تربويًا ينبغي أن يتبعه رب كل أسرة مع أبنائه وهو التربية على إنصاف الشخصيات وفق نظرية النسبية الزمانية. بمعنى لا ينبغي الحكم على الرمز خارج سياق ظروف مرحلته وعصره، حتى لا ينشأ الأولاد على الاستخفاف بالشخصيات واستسهال إطلاق أحكام عليهم دون ضوابط.
وأوضح النجار أنه كنموذج وبصرف النظر عن الآراء المختلفة بين مؤيد ومعارض بشأن حسني مبارك، لكن الحكم عليه سيختلف تمامًا بمقارنته بعهد حكم الإخواني محمد مرسي، هناك إيجابيات كثيرة ستظهر، فإذا كان مرسي والإخوان قد ذهبوا بعيدًا في الرضوخ للغرب وتقديم تنازلات في ملفات حساسة تمس الأمن القومي العربي للغربيين وإسرائيل نظير دعمهم في السلطة فإن مبارك كانت لديه خطوط حمراء من هذه الزاوية لا ينبغي التفاوض بشأنها، وإذا كان مرسي والإخوان أخلُّوا بالعلاقة التاريخية بين مصر والخليج مقابل التحالف مع إيران وتركيا، فإن مبارك حافظ على ثوابت العلاقات المصرية العربية ولم يقبل بإحداث تحولات من شأنها تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط لصالح القوى الإقليمية غير العربية، وإذا كان مرسي والإخوان قد قبلوا الدخول في صفقات على حساب تصفية القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل، فإن مبارك حافظ على الثوابت الفلسطينية والعربية ولم يقبل أي تفاوض عليها.. إلخ.
الجزء الثاني من الكتاب عبارة عن حوار فكري مع متطرف وبه ردود منهجية معمقة على كل ما يروجه منظرو الجماعات المتطرفة والتكفيرية في ملفات الخلافة والحاكمية والجاهلية والجهاد، والعلاقة مع الآخر المختلف في العقيدة. ففي ملف الخلافة توصل النجار إلى "أن صفة الرشد للخلافة وهي فترة الثلاثين عامًا التي أخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - تنصب في الأساس على رشادة شخص الخليفة ومستويات عدله وتفانيه ومصداقيته، لكن في العصور المتأخرة وفى العصر الحديث إذا لم يتوفر هذا الشخص صاحب التقوى والورع والذي يثق فيه الناس من تلك الناحية ليستأمنوه ويفوضوه في الحكم ويسلموه كل السلطات دون خوف من أن يستغلها اعتمادا على خوفه من الله. إذا لم نجده ولن نجده بسبب تغير الأحوال ولعدم وجود أشخاص موثوق في ورعهم وتقواهم كما كان الحال بشأن جيل الصحابة الأول فنحن قادرون على تأسيس نموذج لحكم (رشيد) عصري بأسلوب ونمط مختلف استنادًا إلى (الحرية السياسية)، وهذا يتيح للشعب من خلال مؤسسات الدولة الرقابية والقضائية والتشريعية رقابة الحاكم ومحاسبته من خلال ما عرف بالفصل بين السلطات.
وقال: بين "خلافة راشدة" من الصعب والنادر تكرارها حيث الاعتماد على رجل يحكم الرعية ويرعاها خوفًا من الله وحرصًا على مرضاته، وبين حكم رشيد من الممكن تحقيقه واقعيًا من خلال الرقابة الدنيوية بالفصل بين السلطات وتفعيل الحريات السياسية. وبما أن أول أهداف الأمة تحقيق العدل بالأدوات التي توفرت لديهم، فعلى الأمة في العصور المتأخرة الاجتهاد في استحداث الوسائل التي تمكنهم تحقيق العدل والمساواة والحرية. ومن هنا نكتشف أن ما صلحت به الأمة في الماضي ويصلح به حالها في الحاضر إنما هو جوهر المبادئ التي يتم تحققها عبر أدوات مختلفة، وليس ظاهر الأشياء ومسمياتها؛ فقد تزعم جماعة أنها تقيم خلافة، لكنه مجرد مسمى ينطوي على ظلم وعدم مساواة وعصف بالحريات وعدم إخضاع الحكام للمساءلة والرقابة، وبذلك يفرغ مسمى الخلافة من مضمونه، والخروج من هذا المأزق يستدعي الدوران مع المبادئ والقيم العليا والبحث عن كيفية تحقيقها وفق ظروف كل عصر وطبيعة كل مرحلة.

الإسلام السياسي
الأبعاد الثلاثة لمكافحة الفكر المتطرف

وفي ملف الجهاد أكد النجار أن نبي الإسلام خاض في حياته كلها ثلاث معارك فقط، وكل الوقائع التي تم التأريخ لها تحت عنوان "غزوات" كانت نماذج كلها على تجنب خوض الحرب، وليس الضلوع فيها، لأن مجمل حياته عليه السلام فيما دون ذلك وهي المساحة الأكبر منها قضاها لنشر الأصل الإسلامي من تعاليم وقيم التعايش والتعارف والتعاون بين البشر "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"، فالغاية هنا من الخلق ليتعارف الناس وتتعاون شعوب الأرض، وما دام هذا هو الأصل فمن الطبيعي والمنطقي أن تكون مساحة المودة والسلام والتسامح والعطاء المتبادل هي الأكبر، في مقابل نسبة ضئيلة جدًا من النزاع والصدام زمنيًا ومكانيًا.
وأشار إلى أن هناك ثلاثة أمثلة فقط على دخول المسلمين ساحات معارك وهى بدر وأحد وحنين، وفى ثلاثتها كان خوض الحرب محتمًا دفاعًا عن النفس، وبحساب زمن استمرار هذه الحروب نجد أن كل من هذه المعارك الثلاث استمرت مدة نصف يوم فقط (12 ساعة) حيث كانت تبدأ ظهرًا وتنتهي مع غروب الشمس. يعني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شارك طوال حياته في الحرب بما مجموعه يوم ونصف (36 ساعة) طوال 23 سنة من سيرته النبوية التي ذخرت بممارسات ووقائع النضال السلمي. 
هنا الفرق بين داعش والقاعدة والإخوان وحركة النبوة من جهة أخرى – وهي الحركة الإسلامية الأصلية المعبرة بصدق عن الإسلام - فمساحة الحرب والقتال عند الجماعات المتطرفة واسعة ودائمة فهي تخرج من حرب لأخرى ومن صراع مسلح لآخر. وفي القرآن تصديق على ذلك فالله يقول "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين"، والسلم هو السلام والأمن والتعايش لأنه لا يُعقل أن تتناقض الآية إذا كان المعنى هو الإسلام، كما ذهب البعض مع آيات أخرى تحث على التعددية الدينية وتترك للبشر الحرية في اعتناق ما يشاءون من أديان.
وفي ملف الجاهلية أكد النجار على أن الجاهلية في القرآن والسنة النبوية هي نقيض العمران والتمدن وهو ما نجده في ردود المغيرة بن زرارة في حواره مع يزدجرد ملك الفرس عندما قال "كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات فنرى ذلك طعامنا، وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم، ديننا أن يقتل بعضنا بعضًا ويغير بعضنا على بعض، وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامنا". 
هذه الجاهلية التي ذمها الإسلام؛ وليس كما زعم سيد قطب وغيره أنها جاهلية أنظمة لا تحكم بالشريعة، وهي في مجملها حالة ترفض الدولة، وترفض القانون والمؤسسات المدنية، وتتحاكم للغلبة والسلاح، ويغير أطرافها بعضهم على بعض بعيدًا عن سلطة القضاء والقانون ومظاهر وآليات ومؤسسات الدولة، وهي الحالة التي تحتقر المرأة وتعتبرها كائنًا، يعني منبوذا يجلب العار، وهي الحالة البعيدة عن المدنية ومظاهر التحضر في الإقامة والمأكل والملبس. 

النجار أجرى حوارًا سياسيًا متخيلًا مع متطرف حلل خلاله بالنقد الموضوعي وبالرؤى السياسية الواقعية مواقف جماعة الإخوان وحلفائها التكفيريين طوال السنوات الماضية

وأضاف: معنى هذا أن الجاهلية التي ذمها الإسلام ورفضها هي جاهلية جماعات التطرف والإرهاب اليوم؛ بمعنى أنها جاهلية ترفض الدولة المدنية وترفض دولة المؤسسات والقانون وترفض التطور الدستوري واستكمال مسار بناء الدولة المدنية الحديثة، ولنتأمل هنا تلك الجملة الموحية التي نطق بها الصحابي جعفر ابن أبي طالب في حضرة النجاشي ملك الحبشة عندما وصف له حالهم قبل الإسلام قائلًا "كنا قومًا لا نحل شيئًا ولا نحرمه"، وهو التوصيف الذي ألحقه العديد من علماء الاجتماع بمجتمعات البداوة بوصفها مجتمعات اللادولة واللاقانون التي تعيش بلا سلطة ولا تحترم القوانين. وهي أنسب البيئات لنمو الإرهاب والتطرف والتكفير، لذلك فالمتطرفون والتكفيريون هم أشد الخلق كراهية لقيم ومظاهر الحضارة، ورأينا كيف يدمرون مظاهر التراث والآثار والمتاحف وكل ما يمت للثقافة والمكون الحضاري للأمم.
في الجزء الثالث أجرى النجار حوارًا سياسيًا متخيلًا مع متطرف حلل خلاله بالنقد الموضوعي وبالرؤى السياسية الواقعية مواقف جماعة الإخوان وحلفائها التكفيريين طوال السنوات الماضية خاصة أثناء صعودهم للمشهد السياسي عقب أحداث عام 2011 وبعد عزلهم عن السلطة في يونيو/حزيران 2013. وقال: ربما نلتقط منه هذه الفائدة المرتبطة بما نتحدث فيه وبواقع الجماعات اليوم والبدء في ثنائية القاعدة وداعش بعد ثنائية الاخوان والجهاديين؛ فالرئيس المصري أنور السادات أعلن من منصة البرلمان قبيل اغتياله على يد مجموعة واقعة تحت تأثير الفكر الإخواني ومنبثقة عن التنظيم الأم في أكتوبر/تشرين الأول عام 1981 أنه نادم على تسامحه مع جماعة الإخوان وإفساحه المجال لها لعودة أنشطتها الدعوية بعد حظرها طوال حكم الرئيس عبدالناصر "أنا كنت غلطان". 
ورأى أن الدرس الأهم الذي لم يتعلمه الغرب وأميركا عندما شرع السادات في البدء بثورة التطهير وتصحيح المسار بدءًا بالإخوان وانتهاء بالجماعات الجهادية الرديفة لها، حيث أكد في خطابه الأخير سبتمبر/أيلول 1981 أنها مجرد ذراع عسكري للإخوان معلنًا أنه سيتعامل بلا رحمة، لكن كان التحالف الأيديولوجي الإخواني الجهادي السلفي بجانب الدعاة وخطباء المساجد وبعض الأحزاب والجمعيات التي تحالفت مع جماعة الإخوان، قد سبقه فقام بتكفيره على منابر المساجد في خطب الجمعة والمؤتمرات، زاعمين بأنه قد كشف عن وجهه الحقيقي كعدو للإسلام وكعميل حقيقي للغرب وإسرائيل، والدرس هنا باختصار أن من يلعب بنار جماعات التطرف تحرقه عاجلًا أم آجلًا.