كيف تفكر إدارة ترامب بعد مقتل سليماني؟

اغتيال إرهابي لا يعني بداية صراع عسكري طويل فلكي تمنع حربا أفضل وسيلة أن تجعل دولة مارقة مثل إيران تخشى أمريكا.

بقلم: ماريا معلوف

 هذا السؤال الهام يثار فيما سبق من أيام قليلة في مختلف الأوساط السياسية داخل وخارج العاصمة الأمريكية.. ومن خلال نظرة معمقة إلى التصريحات المتتالية التي يطلقها أعضاء مجلس النواب وخصوصا السيناتور المقرب من البيت الأبيض ليندي غراهام، ندرك أن هناك عدة محاور يدور حولها تصور الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ومعاونيه بشأن كيفية تعامل أمريكا مع إيران بعد مقتل قاسم سليماني.

التصور الأمريكي الأول هو منع اللواء إسماعيل قاآني -القائد الجديد لفيلق القدس- من القيام بعمليات إرهابية تستهدف مواطنين من الولايات المتحدة أو استهداف منشآت أمريكية، ولعل تصريحات قاآني بأن هدفه الأول هو إخراج أمريكا من العراق هو ما ستحاول إدارة ترمب منعه من أن يحدث، لأجل ذلك يسعى الرئيس ترمب لخلق إجماع دولي تجاه إيران، حيث ترى إدارته ضرورة أن يكون الإعلان من قبل دول عدة بما فيها الولايات المتحدة عن مسؤولية إيران عن إسقاط الطائرة الأوكرانية، وأن يشكل ذلك نموذجا لمواقف مشابهة قد تحدث في المستقبل عندما تتفق كل دول العالم على إدانة إيران على ما ترتكبه من جرائم تجاه الإنسانية جمعاء. أما الهدف الثانى فهو توحيد الولايات المتحدة داخليا بشأن السياسات تجاه إيران.

لكن الرئيس الأمريكي يواجه في هذا الشأن معارضة من الكونجرس وبالذات من رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، التي نجحت في تمرير قرار غير ملزم يقلص من سلطات رئيس الجمهورية في خوض حرب ضد إيران.. لكن يبدو أن ترمب لا يعبأ بهذا القرار ويرفض المقولة التي يذكرها معارضوه بأن قاسم سليماني لم يكن يخطط للقيام بعملية إرهابية ضد أمريكا عندما لقي مصرعه، مذكرا منتقديه بأن أيدي قاسم سليماني ملطخة بدماء الأمريكيين الذين قتلهم على مدى السنوات الماضية.. ويمكننا القول هنا إن ترمب يريد إدارة موحدة لا مكان فيها للاختلافات بين أقطابها تجاه السياسة نحو إيران، وهو ما يتمثل في تسريبات للإعلام تبين انشقاقا بين القيادات في أمريكا بخصوص ما يجب عمله تجاه إيران، ولهذا يتحدث الرئيس الأمريكي دوما عن أن القرارات الخاصة بإيران هي قرارات جماعية.

من ناحية أخرى وفي رأي ينتقد سياسة الرئيس ترمب، كتب الصحفي جيرالد صاب في عموده بصحيفة وول ستريت جورنال بأن الرئيس الأمريكي بإصداره قرارا باغتيال قاسمي زاد من مخاوف الحكومة الإيرانية بأنه يسعى إلى تغير النظام وهي سياسة ينفيها ترمب.. باختصار يمكننا القول إنه لدى إدارة ترمب إستراتيجيات متعددة تجاه إيران بعد مصرع سليماني، حيث تعمل على تحطيم أدوات الخراب التي استخدمها سليماني في إنشاء قواعد ومنظمات إرهابية تتبع الحرس الثوري وتنشر الفوضى والدمار في بلاد مثل العراق ولبنان واليمن وسوريا.. أيضا ستعمل أمريكا على أن تمنع طهران من أن تهاجم أهدافا اقتصادية سعودية كما حدث في الماضي أو أن تستهدف شركات النفط العالمية.. حيث تدرك أمريكا نية إيران في محاولة إحداث خلافات بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي كذلك، وتأخذ الولايات المتحدة بكل جدية تصريحات حسن نصرالله الصادرة في الخامس من يناير بأن حزب الله يرى في اغتيال سليماني الحافز «لإخراج شهداء انتحاريين بكثرة».. ترى في ذلك الكلام أنه دعوة لارتكاب أعمال إرهابية، لذلك ربما تستهدف إدارة ترمب حزب الله لمنع وقوع أي حدث إرهابي.. أيضا.

ستحاول أمريكا عدم استغلال الحرس الثوري الإيراني لمحاولات تنظيم داعش العودة إلى بعض المناطق التي تم إخراجه منها، ولا يمكن أن نغفل هنا تركيز ترمب على وعده بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، حيث يرى محللون أن الرئيس الأمريكي لن يتخاذل في الوصول إلى هذا الهدف.. دوائر قريبة من صنع القرار في البيت الأبيض تشير إلى أن ترمب يريد تبديد مخاوف الملايين من الأمريكيين بأنه لن يخوض حربا جديدة في الشرق الأوسط، ونرى ذلك بوضوح في تصريح لماثيو شلاب رئيس تجمع المحافظين الأمريكيين لمجلة واشنطن اكزامينار «محقق واشنطن»، حيث ذكر أن «اغتيال مجرم إرهابي لا يعني بداية صراع عسكري طويل الأجل وحتمي». وأضاف «لكي تمنع حربا فإن أفضل وسيلة أن تجعل دولة مارقة مثل إيران تخشى قوة أمريكا العسكرية».

نُشر في عكاظ السعودية