لا أحد يصدق أيها البشير أنك على حق

رجل تربى في أقبية الاخوان المسلمين لا يمكن التعويل على إنسانيته.

بعد ثلاثين سنة من حكمه يبدو عمر حسن البشير مطمئنا إلى أن الشعب الذي يحكمه لم ينضج بعد لاتخاذ القرار الذي يناسبه في ما يتعلق بمَن يحكمه.

كل ما تشهده السودان من تظاهرات واحتجاجات هو استفتاء ناقص من وجهة نظر الرئيس. صناديق الانتخابات هي التي تحكم في الخلاف، بالرغم من أنه يعرف أن تلك الصناديق ستكون مثقوبة دائما.

لا يحتاج الامر إلى لجان ومراقبة فالشارع يقول كلمته. تلك كلمة هي أشبه بجرس انذار. وهو ما لم يدركه قبل البشير رؤساء عرب عديدون حين خُيل إليهم أن ذلك الاستفتاء الشعبي لا قيمة له.

ليس الرئيس السوداني في حاجة إلى مَن يذكره بمصير من سبقه من الرؤساء العرب الذين اعتقدوا أن ما يحدث من حولهم هو مجرد غبار مؤقت، سيخف تأثيره مع الوقت إلى أن يختفي.

مشكلته أنه يراهن على الوقت وهو أول من أخطأ في تقدير قيمته.

ثلاثون سنة هي زمن كاف لبناء دولة عظيمة.

مهاتير محمد بنى دولة متقدمة هي ماليزيا في عشرين سنة فقط.

اما ثلاثون البشير فقد سلمت السودان إلى الفاقة والفقر والجوع والقحط والعزلة والإهمال والعوز وأخيراً إلى تسول الخبز.

ثلاثون البشير هي زمن يشعر المرء امامه بالعار لما انطوى عليه من نكبات أصيب بها السودان، بدأت بجرائم دارفور ولا تنتهي بانفصال جنوبه.

واقعيا فإن البشير هو وريث جعفر النميري الذي يعتبر اليوم تلميذا للبشير في جهله بالبلد والشعب اللذين ابتليا به.     

فالنميري على الأقل لم يكن ديمقراطيا ولم يتبجح بالانتخابات.

اما البشير فإنه بعد أن سلم البلاد وأهلها للقحط صار ديمقراطيا وهو يعرف أن ديمقراطيته هي كيس مثقوب يلعب فيه الهواء.

لم يكتف البشير بثلاثين سنة من الحكم وهي العمر الافتراضي للسيد المسيح الذي أعلن فيه نبوته وذهب بعده إلى الصليب. لقد انجز الرجل رسالته. ما الذي ينتظره البشير؟

لم يقل المسيح إن الشعب كان على خطأ، مع أنه كان كذلك من وجهة نظره. البشير وهو إسلامي ومؤمن بعقيدة جماعة الاخوان المسلمين لا يرغب في أن يغادر كرسي الحكم لأنه يعتبر الشعب على خطأ.

كأنه يرغب في تغيير الشعب.       

من المؤكد أنه يعتقد أن المشكلة تكمن في الشعب. لذلك يجب تغييره.

ولكن ثلاثين سنة من الحكم كانت كافية بالنسبة للبشير لكي يحكم على نفسه بأنه كان حاكما فاشلا. فالأمور كما يُقال بنتائجها. وها هي النتائج تظهر لا من خلال تقارير المنظمات الدولية المعنية بل من خلال صيحات الشعب الذي خرج إلى الشوارع مطالبا بالخبز.

ألا يشعر البشير بالعار وهو يرى شعبه جائعا؟

لو أنه إنسان طبيعي لاستقال مع أول صرخة يطلقها جائع.

لا أعتقد أن المشروع الإسلامي الذي يفكر فيه ويؤمن به يساوي تلك الصرخة.

غير أن رجلا تربى في أقبية الاخوان المسلمين لا يمكن التعويل على إنسانيته. وهو ما يمكن أن يشكل قاعدة للتعرف على مستقبله.

فالبشير حين يتحدث عن الانتخابات فإنه يقصد الصدام مع الشعب. وهو ما عبر عنه من خلال المظاهرات المضادة التي نظمها مرتزقته. كانت تلك المظاهرات مناسبة لكي يلقي خطابه الذي هو عنوان عصيانه.

وكما يبدو فإن ثلاثين سنة من عصيان الشعب لم تكن كافية لإشباع رغبته في الحكم. إنه يحتاج إلى وقت مضاف، لا من أجل أن يخدم الشعب بل من أجل أن يذله أكثر. أهذه الرسالة النبيلة التي نذرت لها نفسك اخوانيا إيها الرئيس؟

البشير سيسقط. ذلك مؤكد وهو قرار الشعب. غير أن السودان لن يتعافى من مرضه في وقت قريب. ذلك لأن معارضيه الذين يستعدون لاقتناص فرصة الحكم هم أشباهه الذين يحلم كل واحد منهم بثلاثين سنة من الحكم.