لا إجابات بعد أشهر من التحقيق في انفجار بيروت

تعالي الأصوات المطالبة في لبنان بعرض نتائج التحقيق في انفجار بيروت المروّع بشفافية وسط تحذيرات من نفاد صبر الشارع.
سخط الشارع اللبناني يتفاقم بسبب تخاذل الطبقة الساسية في حل أزمات البلاد

بيروت - تعتقد تريسي وبول نجار أنه كان بالإمكان أن تنجو ابنتهما ألكسندرا من انفجار الرابع من أغسطس/آب الذي وقع في مرفأ بيروت لو أن السلطات أدت ما عليها في ذلك اليوم المشؤوم.

وفي غمار حزنهما على ابنتهما التي اختطفها الموت وهي في الثالثة يؤرقهما سؤال واحد؛ لماذا لم يُطلق أحد جرس إنذار أو يجلي السكان بينما كان الحريق يستعر لأكثر من نصف ساعة قرب كمية هائلة من مادة شديدة الانفجار؟

قالت تريسي (34 عاما) التي كانت في بيتها مع أسرتها في حي الجميزة عندما دمر الانفجار مرفأ بيروت القريب من المنطقة "كان عند 40 دقيقة ليقولوا لنا اخرجوا من بيروت. اختبئوا. ابتعدوا عن النوافذ!’. لم يفعلوا ذلك".

وأضافت "كان عندهم 40 دقيقة للاستعداد لانفجار بيروت، لإعداد المستشفيات، لفتح الطرق وإرسال الأطباء والجيش ولم يفعلوا ذلك".

وامتنع مسؤولون أمنيون تواصلت معهم رويترز عن التعليق على مظالم أسر الضحايا وتساؤلاتهم عن أسباب عدم الاستعداد وعدم إطلاق أجراس الإنذار.

كانت مأساة الرابع من أغسطس/آب واحدة من أكبر الانفجارات غير النووية التي تم تسجيلها على الإطلاق. راح ضحيته حوالي 200 قتيل وآلاف الجرحى ودمر مساحات واسعة من العاصمة اللبنانية.

وبعد انقضاء أربعة أشهر لا يزال الضحايا ينتظرون نتيجة التحقيق في أسباب ترك 2750 طنا من نترات الأمونيوم التي يمكن أن تحدث انفجارا شديدا مخزنة دون مراعاة إجراءات السلامة في المرفأ الذي تحيط به أحياء سكنية لأكثر من ست سنوات.وكانت القيادات اللبنانية قد وعدت بالكشف عنها في غضون أيام.

 قالت تريسي "بدلا من الحزن ومحاولة الاستمرار في حياتنا، نكافح اليوم من أجل شيء هو فعلا حق من حقوقنا. وهو معرفة الحقيقة. إحقاق الحق"، مضيفا "لم نيأس ولن نيأس".

وقد توفيت الطفلة ألكسندرا ابنتهما الوحيدة متأثرة بالجروح التي أصيبت بها وذلك بعد خمسة أيام من الانفجار.

استغرق وصولها إلى المستشفى ساعة بسبب الزحام في الشوارع. وقالت تريسي "لو أنهم فتحوا الطرق لنجا كثيرون، ولربما نجت ألكسندرا".

وروت كيف أن الأجهزة الأمنية لم يكن لها وجود في أعقاب الانفجار وكيف ساعد الناس العاديون بعضهم بعضا. فقد وصل زوجها بول إلى المستشفى ومعه ألكسندرا على دراجة نارية لشخص غريب.

وانقضت أسابيع قبل أن تسمع الأسرة شيئا من أحد المسؤولين.

كان أول من اتصل بالأسرة ضابط من الجيش طلب منها المشاركة في اجتماع لتأبين الضحايا يحضره قائد الجيش. وقوبل الطلب بالرفض.

قال بول نجار (36 عاما) وقد بدت على وجهه ندوب من آثار الانفجار "بالنسبة لنا الرئيس والحكومة والجيش كلهم جزء من هذا وهذه طريقة لغسل أيديهم".

وأضاف أنه كان من الممكن تفادي سقوط الكثير من الضحايا لو أن الأجهزة المعنية أطلقت أجراس الانذار.

جراح اللبنانين لا تلتئم في ظل تعثر التحقيقات في انفجار بيروت
جراح اللبنانين لا تلتئم في ظل تعثر التحقيقات في انفجار بيروت

يرى البعض في لبنان أن الانفجار وأسلوب أجهزة الدولة في التعامل مع تداعياته يمثلان إدانة للنخبة السياسية الحاكمة التي قادت البلاد من أزمة إلى أخرى.

واحتجزت السلطات عددا من كبار المسؤولين من بينهم المدير العام للمرفأ ومدير الجمارك. كما وجه القاضي الذي يتولى التحقيق تهمة الإهمال لرئيس وزراء لبنان حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين.

وقال دياب الذي قدمت حكومته استقالتها بسبب الانفجار بعد أن تولت الحكم في أوائل 2020 إن ضميره مرتاح واتهم القاضي بمخالفة الدستور.

تبين وثائق اطلعت عليها رويترز وتصريحات لمصادر أمنية رفيعة أن مسؤولين أمنيين حذروا رئيس الوزراء ورئيس الدولة في يوليو/تموز من أن نترات الأمونيوم المخزنة في المرفأ تمثل خطرا أمنيا وربما تدمر العاصمة إذا انفجرت.

وقال مسؤول أمني رفيع في أغسطس/آب إن الحريق اندلع بسبب شرر من عملية لحام.

وفي أكتوبر/تشرين الأول قال مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي الذي أرسل محققين إلى بيروت للمساعدة في تحري حقيقة ما حدث إنه لم يتوصل إلى استنتاج مؤكد لسبب الانفجار.

الرئيس والحكومة والجيش كلهم جزء من مآسي لبنان

وتعتقد وكالات أميركية أخرى ووكالات حكومية أوروبية تتابع التحقيقات عن كثب اعتقادا راسخا أن الانفجار غير متعمد.

وفي ذكرى مرور أربعة أشهر على الانفجار تجمعت أسر بعض الضحايا في وقفة احتجاجية عند مدخل المرفأ. وطالبت لافتة بمعرفة نتائج التحقيق وبالشفافية محذرة من نفاد الصبر.

ومنذ الانفجار واستقالة الحكومة في أعقابه، فشل الساسة من أصحاب النفوذ في تشكيل حكومة جديدة وسط مماحكات على شغل المناصب.

وعرقلت هذه الخلافات المعهودة مساعي لبنان لإعادة البناء بعد الانفجار في ظل المشاكل الأوسع مثل الأزمة الاقتصادية المتصاعدة التي دفعت بالملايين إلى صفوف الفقراء.

قالت ريتا حتي التي قتل ابنها نجيب أحد رجال الإطفاء مع اثنين آخرين من أفراد الأسرة أثناء مكافحة الحريق الذي تسبب في انفجار المرفأ "أي زعماء؟ نحن لدين زعماء؟ لو لم يكونوا مافيا ما وصلنا إلى هنا".

وأضافت "هم لو فيهم ذرة كرامة لاعتذر أحدهم من الشعب اللبناني احتراما للضحايا، المفروض أكبر واحد يقدم استقالته ويذهب إلى بيته. بعدن عم يتقاسموا الجبنة، بعد ما شبعوا".

اعتاد ثلاثي رجال الإطفاء نجيب حتي (27 عاما) وصهره شربل كرم (37 عاما) وابن عمه شربل حتي (21 عاما) العمل في نوبة عمل واحدة على الدوام. وفي آخر مكالمة قال شربل كرم لزوجته كارلين إنهم ذاهبون للمرفأ لإخماد حريق.

وقالت كارلين التي أصبحت تحمل وحدها عبء تربية بنتيها انجلينا وكاترينا، إن أفراد الأسرة تنقلوا بعد الانفجار من مستشفى لآخر بحثا عن الرجال الثلاثة.

وأضافت متحدثة عن ابنتها انجلينا "سألوها شو بدك هدية من بابا نويل (سانتا كلوز)، قالت لهم بدي ينزل يجيب بابا من بيروت".