لا خوفا من رغد بل كُرهاً بالعرب

إيران وأحزابها تستمران في مسلسل الخداع من خلال اختراع قضايا لا تمت إلى الواقع بصلة.
النظام السياسي في العراق أضعف من أن يتم التآمر عليه
رغد صدام حسين ممنوعة أصلا من العمل السياسي في سياق اعراف الضيافة الإردنية
كل ما قالته لا يمت بصلة إلى واقع التحولات المأساوية التي عاشها العراق منذ الاحتلال

بالرغم من أنها لم تقل شيئا ذا قيمة على المستويات كافة، فإن رغد صدام حسين صارت بالنسبة للأحزاب الحاكمة في العراق بمثابة ورقة يتم استعمالها في التعبئة الشعبية في اتجاهات مختلفة. كان أشد تلك الاتجاهات خبثا ما دخل في سياق التحريض ضد دول عربية معينة هي من وجهة نظر تلك الأحزاب لا تريد للعراق أن يستقر اما من خلال التلويح بعودة حزب البعث إلى الحكم أو عن طريق تلميع صورة النظام السياسي السابق.

وإذا ما كانت رغد قد ارتكبت بعض الهفوات وهي هفوات صغيرة حدثت بسبب أن المرأة التي يصر البعض على أن يقدمها باعتبارها جزء من المشروع السياسي البديل، لا تجيد التعامل بلغة النفاق السياسي. ويليق بمن يحاول انصافها أن يقدمها باعتبارها ضحية لأب وزوج التصقت حياتهما بالعنف الذي قضى عليهما في نهاية المطاف ولا شيء آخر. لم تنجح المقابلة التي أجرتها قناة العربية في نبش الجانب الإنساني الحزين والجريح من شخصيتها الذي قد تكون رغد غير راغبة في الحديث عنه أصلا.

عدا ذلك فإن المقابلة يمكن نسيانها بسرعة. فهي وإن استقطبت اهتمام "كذا" مليون شخص لمشاهدتها وكان ذلك نصرا دعائيا للقناة، قد تميزت بالسطحية وغياب المعلومات المفيدة وضبابية الفكرة التي تقف من ورائها. فرغد ممنوعة أصلا من العمل السياسي في سياق اعراف الضيافة الإردنية كما أنها أشارت غير مرة في حديثها إلى أنها لا تعرف شيئا عن سياسات أبيها الداخلية ذلك لأن صدام حسين لم يكن يتحدث بالسياسة مع عائلته كما قالت. وبالرغم من أنها أوحت بكلام يحتمل التأويل بإمكانية أن يكون لها دور في مستقبل العراق السياسي فإن كل ما قالته لا يمت بصلة إلى واقع التحولات المأساوية التي عاشها العراق منذ الاحتلال حتى اللحظة التي أطلت فيها على المشاهدين كما لو أنها ليست ابنة رئيس سابق لدولة ثرية.

لست هنا في معرض التعليق على مظهرها بالرغم من أن ذلك يخص العراقيين أكثر مما يخصها. المهم أن المرأة كانت بسيطة في لباسها لا لأنها كانت تمثل الدور الذي ترغب من خلاله كسب تعاطف الجمهور معها بل لأنها في حقيقتها كانت دائما كذلك. هذا ما تدربت عليه وما تعلمته يوم كان ابوها رئيسا. تلك حقيقة يعرفها كل العراقيين. فصدام حسين كان متخلفا في النظر إلى المرأة ولم يسمح لبناته بأن يحضرن في الحياة العامة. تلك واحدة من حكايات العراق الغريبة. فالرجل الذي فرض قوانين تناصر المرأة وتحميها وتقف معها ضد أعراف المجتمع المتخلف وتصون حقوقها كان في الوقت نفسه يحرم بناته من الظهور في الحياة العامة ويزوجهن قبل السن القانوني.

استعيد كل ذلك وأنا أرى حجم التخويف الذي مارسته الأحزاب الحاكمة في العراق من أجل التصعيد المعادي لإنتماء العراق العربي. وهو ما يصب في قطع صلة العراق بمحيطه العربي. لقد تم تكييف الأمر في إطار المؤامرة العربية التي تُحاك من أجل إفشال التجربة الديمقراطية في العراق. وإذا ما أردنا التساؤل عن تلك التجربة فإن ذلك يكون معناه أننا سقطنا في الفخ. فليس هناك مَن يتآمر على العراق أصلا. فالنظام السياسي فيه أضعف من أن يتم التآمر عليه وما كان لهذا النظام أن يستمر لولا الحماية القائمة على معادلة التراضي الإيراني الأميركي.

لقد استعملت الأحزاب الموالية لإيران لقاء رغد صدام حسين في إشاعة الرعب بين أعضائها ومناصريها الذين صاروا يحذرون من غد ستكون الدول العربية فيه قادرة على التحكم بمصير العراق. صارت رغد بمثابة تهديد لعنصر السيادة الوطنية. وكان واضحا أن إيران قد دخلت على الخط فنشرت هستيريا عنوانها "رغد صدام حسين" بينما السيدة المشار إليها هي بريئة من أية تهمة. لقد تم استعمالها مدخلا للترحيب بالنفوذ الإيراني والاعتراف بذلك النفوذ علنا في مقابل قطع الطريق أمام كل محاولة لتعاون العراق مع جيرانه العرب الذين صاروا يتآمرون عليه.

واقعيا فإن رغد لا تخيف أحدا وهي لا تملك القدرة على أن تقوم بذلك. ولكن الأحزاب الحاكمة في العراق وهي موالية لإيران وجدت في مقابلتها مناسبة تعبئة الشعب بما يلهيه بعيدا عن مجموعة الأزمات التي تحيط به بسبب الفساد وسوء الإدارة والانجرار وراء مشاريع العسكرة الطائفية.

كانت فزاعة التآمر العربي واحدة من أهم مفردات تلك التعبئة وليس ما يحدث على مستوى اعاقة أي نوع من التعاون التجاري بين العراق والأردن إلا وجها من وجوه تلك اللعبة القذرة التي يتم من خلالها الضغط على الاردن لمنعها من الاستمرار في استضافة امرأة تقطعت بها السبل.        

ما لن تتمكن من فعله الأحزاب مع دول الجوار العربي الأخرى فعلته مع الاردن. وهي في ذلك انما تستمر في مسلسل الخداع من خلال اختراع قضايا لا تمت إلى الواقع بصلة تسعى من خلالها إلى اغلاق كل الأبواب أمام العراق من أجل أن يظل باب إيران مفتوحا باعتباره الخيار الوحيد.