لا يعرف القطريون العاديون أنهم في حالة حرب

أيُعقل ان القطريين لا يعرفون أن العالم غير معني بعلاقاتهم الثنائية مع الدول الأخرى؟ هناك مَن أوقعهم في فخ سوء فهم عظيم ليبتزهم.

بالنسبة لي باعتباري عراقيا فإن لدي حساسية خاصة إزاء فكرة الحصار، حصار بلد ما، أيا يكون ذلك البلد.

قطر دولة صغيرة. أنا أعرفها جيدا وقد عشت فيها زمنا قصيرا. لذلك فأني أحب شعبها. في الحقيقة أحب شوارعها وأسواقها كما كانت لا كما صارت. ولكن من حق الدوحة التي هي أهم ما في قطر أن تكون مدينة أخرى.

تسمي قطر مقاطعة أربع دول عربية لها حصارا. طبعا لها الحق في ما تختاره من مصطلحات لوصف الوضع الذي هي فيه، غير أن ما تعيشه في الحقيقة لا علاقة له بالحصار الذي أعرفه ولا بالمعاني المتعارف عليها.

من المؤكد أن مفهوم "الحصار" يتخذ هنا، بالنسبة للقطريين، أبعادا نفسية أكثر من أن يكون واقعا ماديا يمكن تلمس شيئا من آثاره المدمرة.

واقعيا يمكن القول إن قطر ليست محاصرة. هناك قطيعة بينها وبين دول عربية أربع، شعرت أن السلوك السياسي للحكومة القطرية بات يشكل خطرا عليها وعلى المنطقة. وهو ما فرض اتخاذ خطوة تحذيرية، هي بمثابة جرس انذار لئلا تذهب الأمور إلى ما هو أسوأ.

ما حدث بعد المقاطعة فضح حقيقة أن خطوط الاتصال كانت مقطوعة بين قطر والدول العربية الأربع. وهو ما لم يكن يعرفه أحد. لقد فضحته القطيعة التي بدا للكثيرين أنها حدثت فجأة.

أعتقد أنه لو كانت هناك ممرات دبلوماسية سالكة بين قطر والدول الأربع لما حدثت القطيعة. وهو ما يعني أن قطر كانت تعيش عزلتها قبل أن تقرر الدول الأربع مقاطعتها. فهل كان قرار القطيعة قطريا؟

كانت لقطر دائما علاقاتها الدولية الخاصة بها وهو ما لم يعترض عليه أحد من قبل. لا أحد في إمكانه أن يفرض على قطر صداقاتها وطريقة تصريفها لشؤونها الاقتصادية. غير أن صلة قطر بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين لا تقع في واحد من الجانبين. فهو تنظيم سياسي عابر للبلدان، تشمل خريطته الكثير من الدول ومنها الدول الأربع المقاطعة.

العلاقة بذلك التنظيم لا تدخل ضمن دائرة الصداقة أو السياسة الاقتصادية. لذلك فإن الاعتراض عليها لا يعد تدخلا في الشؤون الداخلية لقطر.

على العموم لست هنا في صدد نقاط الاختلاف التي صارت معروفة.

ما يهمني هو الكيفية التي صارت قطر تتعامل بموجبها مع ما تسميه بـ"دول الحصار".

لقد اختارت قطر منذ البدء أسلوب الدفاع عن طريق الهجوم. وهي في ذلك تطبق وسيلة شعبية تتلخص في الاعتماد على الصوت العالي لحسم النزاع. وهو أسلوب كما أظن لا ينفع في حل الخلافات بين الدول.

وإذا ما كانت الدول الأربع بعد أن طرحت شروطها لوضع نهاية للأزمة قد انشغلت بأمورها ولم تعد تولي المسألة القطرية اهتماما يُذكر فإن قطر استمرت من خلال اعلامها، تحديدا قناة الجزيرة، في الإساءة الى الدول الأربع والتحريض على أنظمتها السياسية كما لو أنها كانت في حالة حرب.

لم يكن القطريون في حاجة إلى ذلك الاعلام الحربي لكي يثبتوا للعالم أنهم على حق. لم يكونوا في حاجة إلى إنفاق ملايين الدولارات من أجل نقل حربهم غير النافعة إلى شوارع العالم.

أيُعقل انهم لا يعرفون أن العالم غير معني بعلاقاتهم الثنائية مع الدول الأخرى؟

هناك مَن أوقعهم في فخ سوء فهم عظيم ليبتزهم.

وكما أرى فقد آن لهم أن يفهموا أن حربهم الإعلامية التي هي من طرف واحد لن تنفع في حلحلة الأزمة بل أن الاساءات التي تتضمنها تلك الحرب لن تزيد الأزمة إلا تعقيدا. وهو منطقيا أمر ليس من مصلحتها.

هناك الكثير من العبث في سلوك قطر وهي تدير أزمتها مع دول، يفترض أن تكون علاقتها بها أخوية. فعلى سبيل المثال ما من شيء أسوأ بالنسبة للشعب المصري من أن تسعى دولة إلى وضع نفسها في خدمة جماعة الاخوان المسلمين التي صارت جزءا من ماض، لا يرغب أحد في استعادته.

ليس صحيحا أن تستعدي قطر الشعب المصري.

ليس صحيحا أن تدفع التونسيين إلى أن ينظروا إليها باعتبارها عدوا.

وأخيرا ليس صحيحا أن تبحث في ملفات الدبلوماسية الإماراتية والسعودية عما تخبئه. فالدولتان لهما مصالحهما وعلاقاتهما التي يسعيان إلى ادارتها بالطريقة التي تناسبهما.

الصحيح أن تنتبه قطر إلى ما تفعله بما يناسب موقعها وحجمها الحقيقيين.

لقد اعترف سياسيوها بأنهم أهدروا مليارات الدولارات على الحروب وتمويل الجماعات الإرهابية التي اتفق العالم كله على قتالها.

لا يعرف القطريون العاديون أنهم كانوا ولا يزالون في حالة حرب.

لا أرغب هنا أن أدخل في متاهة الحرب القطرية التي اعتقد أنه آن للحكومة قطر أن تنهيها. لا من أجل أن تنهي الحصار الذي يعاني منه شعبها وهو مزحة قياسا بالحصار الذي أعرفه ولكن من أجل أن لا تواجه كارثة، لن يكون العالم العربي مستعدا لتحمل نتائجها.