لبنان.. بين ناري إسرائيل وإيران

السيد حسن نصر الله إذا كان قد نأى كالعادة بنفسه عن الدولة فكيف نُفسر تهافت بعض رؤوس السلطة في لبنان على إلغاء الحدود بين الدولة وبين ميليشيا؟!


بقلم: بول شاؤول

مجدداً أشباح حرب 2006 التي شنتها إسرائيل على لبنان كله رداً على خطف «حزب الله» جنديين من داخل الخط الأزرق، وما نتج عن ذلك من خسائر من أرواح (1400 لبناني) وخمسة آلاف جريح وخسائر مادية قدرت بمليار ونصف مليار دولار. فهل كانت عملية خطف الحزب الجنديين تمت بتفويض من لبنان الدولة أو من الشعب أو من الجيش؟ ففي ذكرى «حرب تموز» الماضية ها هي إسرائيل هذه المرة تبادر وتطلق طائرتي «درون» على الضاحية الجنوبية، فتسقط واحدة وتنفجر أخرى. وكما كان خطف «حزب الله» الجنديين 2006 رسالة من إيران إلى أميركا كانت طائرتي «درون» رسالة من إسرائيل إلى إيران. كأنما تسجيل موقف إسرائيلي راهن قرب إجراء المفاوضات بين طهران وواشنطن. فلا الأولى 2006 كانت حرباً لبنانية قررتها الدولة، ولا الثانية حرباً إسرائيلية بين الدولة وحكومتها وجيشها، ولا الثانية هي حرب إسرائيلية بين لبنان الدولة والجيش والشعب، كما هي الحال في سوريا والعراق اللتين استهدفت إسرائيل فيهما الوجود العسكري الإيراني، وكما هي الحال عندما قصف الطيران الإسرائيلي موقعاً ل«الجبهة الشعبية» الموالية لمحور المقاومة في البقاع.

ثلاثة مواقع في ثلاثة بلدان عربية تعرضت للهجوم. أما في لبنان، فقد حاول الحزب من خلال حلفائه في السلطة، أو في سواها أن يصور العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية وكأنه عدوان على لبنان، «أو إعلان حرب عليه» لتوريط البلد فيما لا حول له ولا قوة. فالسيد حسن نصر الله نفسه أعلن بكل صراحة هذه المرة بأنه خارج الدولة. عندما ترك لها هامشاً متواضعاً يقتصر على الدبلوماسية والقضايا الأمنية الإجرائية.. يقول نصرالله: «القرار لي وحدي»، أما المسؤولون من رأسهم إلى أسفلهم مجرد حضور وأنا من يقرر الرد زمانه ومكانه.. واختار أن رده سيكون في لبنان وليس من لبنان. إذا كان السيد حسن نصرالله نأى كالعادة بنفسه عن الدولة فكيف نُفسر تهافت بعض رؤوس السلطة في لبنان على إلغاء الحدود بين الدولة وبين ميليشيا؟

فلو كانت ميليشيا الحزب تمثل لبنان لفهمنا ذلك، لكنها مرتهنة بإيران وهذا واضح في كل خطب نصرالله وخصوصاً الأخيرة منها: إذا تم الاعتداء على إيران فسنشعل العالم والمنطقة، وسنستخدم كل الأسلحة التي نملكها، واستعرضها في مناسبة الاحتفال بحرب تموز 2006، من صواريخ ضخمة جديدة وأسلحة متطورة. بل قال إنه سيردُّ على كل اعتداءٍ على «فيلق القدس» في سوريا أو «الحشد الشعبي» في العراق باعتبارهما مع «الحوثيين»، ونظام الأسد في صلب محور المقاومة. إنه خطاب استعراض القوة وكذلك الانتماء والاستراتيجية السياسية، ضاماً إلى محوره لبنان نفسه شعباً وجيشاً ودولةً. إنه إعلان وحدة عضوية بين نظامٍ منهار في سوريا وبين ميليشيات اغتصبت السلطة في اليمن و«الحشد الشعبي»، الذي يعرقل قيام الدولة المدنية في العراق.

إذا كان الحزب في ممارساته وخُطبه يعلن ضم لبنان إلى جهاتٍ ودولٍ خارجية معظمها مدرج في لوائح الإرهاب، فيعني أنه يدعو إلى إدراج لبنان في هذه المرتبة العالمية. فمن ناحيةٍ ينأى بنفسه عن الكيان اللبناني، ومن ناحيةٍ أخرى يورّطه في ما لم يقرره لا شعبه ولا دولته.

والأغرب من كل ذلك أن بعض المسؤولين اللبنانيين يتماهون بقراراته ومواقفه من دون أن يكون لهم أي رأي أو موقف ولو مبدئياً.. العدوان الإسرائيلي «إعلان حرب على لبنان». حربٌ بطائرتي درون. وكأنهم يسلّمون كل ما تبقى ما في الدولة للحزب.. بل كأنهم غير معنيين بالنتائج التي يمكن أن تُسفر عنها مواقفهم. إنها لعبة التماهي بميليشيا على حساب الوطن. ونسأل هؤلاء: هل كان الحزب يُمثل لبنان عندما شارك في حرب النظام السوري ضد شعبه؟ هل كان الحزب يمثل لبنان عندما ساعد ميليشيات «الحوثي» ضد الشرعية اليمنية؟ هل كان الحزب في العراق تحت إمرة سليماني يمثل لبنان في تهجير الشعب العراقي؟ بل هل يمثل الحزب لبنان عندما كوّن خلايا إرهابية في الكويت والإمارات ومصر والجزائر والمغرب وصولاً إلى فنزويلا..

إذا كان الحزب يمثل لبنان في كل هذه العمليات فيعني أن لبنان قد أعلن حرباً على سوريا واليمن والعراق.

أما إذا كان لا يمثل لبنان هناك، فكيف يكون الاعتداء الإسرائيلي ضد لبنان وليس ضد حزب إيران في لبنان؟

لبنان اليوم في أخطر مراحله.. بين نيران إيران وأميركا وإسرائيل. أما قول نصرالله إن قواعد اللعبة تغيرت، فهذا مجرد كلام إعلامي.. فبرغم الاعتداء الإسرائيلي سيسعى حسن نصرالله إلى المحافظة على قواعد لعبته مع إسرائيل.

نُشر في الاتحاد الإماراتية