لبنان على مائدة النفاق العالمي

يعرف حزب الله ماذا يفعل وهو في الوقت نفسه يدرك أن العالم ليس صادقا في حكايته اللبنانية.
يمارس حسن نصرالله اليوم دور روبن هود المعاصر
هيمنة السلاح لن تكون كافية ما لم تكن مدعومة بسلطة المال
أرجو أن لا يُخيل اليكم أن سكان الضاحية الجنوبية يعيشون في نعيم

يراهن فاسدو لبنان على احراج الدول العربية والمجتمع الدولي بما انتهى إليه اللبنانيون من أوضاع مزرية ورثة، من غير أن يبادروا إلى فتح الطريق أمام المبادرات العالمية التي كان القصد منها وضع النقاط على الحروف بما ييسر التعرف على طبيعة الأزمة الاقتصادية في لبنان ومدى ارتباطها بالوضع السياسي أو بتركيبة البلد السياسية.

كان فك الارتباط بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي ضروريا من أجل فرض نوع من السيطرة على أسباب وأهداف هيمنة حزب الله على الحياة السياسية وعبرها على الحياة الاقتصادية. وإذا كان حزب الله قد اتخذ من جهات متحالفة معه واجهات لسياسة لم يعد أحد يرغب في محاولة تفهمها فإنه يدير الاقتصاد بالطريقة نفسها حيث تتعدد الجهات التي تمارس نشاطات اقتصادية لا يبدو أن لها صلة بحزب الله وهو الجهة المستفيدة من عمليات غسيل الأموال وتهريب العملة الصعبة إلى سوريا وإيران.

يعرف الجميع أن الانهيار المالي لا تقف وراءه المصارف بإرادتها المستقلة بل أن تلك المصارف هي أدوات بيد السلطة ولا يُعقل أن حزب الله الذي بنى امبراطورية مالية تمتد إلى قارتي أفريقيا وأميركا اللاتينية قد ترك الأمور المالية في لبنان سائبة وبيد الآخرين ممَن لا يمثلون واحدة من واجهاته. فلا رياض سلامة ولا سواه كان قادرا على انتهاك القوانين المصرفية من غير معرفة حزب الله. تلك حقيقية تؤكدها بداهة أن هيمنة السلاح لن تكون كافية ما لم تكن مدعومة بسلطة المال.

كانت المبادرات التي فشلت تهدف إلى تحييد حزب الله. ولكن الوصول الصعب إلى ذلك الهدف كان يمر بطرق شائكة. فحزب الله يُظهر شماتته بحاكم مصرف لبنان إثر فضيحة أمواله المودعة في مصارف أجنبية. ولكن مَن يملك القدرة على النظر إلى تلك المسألة بعيدا عن اطارها السياسي؟ وحزب الله هنا يقوم بدور الحارس الذي لا تجرؤ فرنسا على التعامل معه بشدة. في كل الأحوال كان حزب الله مطمئنا إلى أن المجتمع الدولي سيتحاشى الدخول معه في حوار ساخن. حتى العقوبات التي تُفرض بين حين وآخر فإنها لا تُفرض على أفراد مؤثرين في الدورة الاقتصادية للحزب. لذلك تبدو تلك العقوبات مضحكة وتتم السخرية منها.

وسط تلك العلاقة الملتبسة ما بين الجهات التي تسعى كما تقول لإنقاذ لبنان وبين الجهة الحقيقية التي يعرف العالم كله أن بيدها القرار السياسي وهي حزب الله ليست هناك مسافة يتمكن الشعب اللبناني من خلال فاعلياته المستقلة أن يحدد عبرها الثغرات في النظام الاقتصادي التي يشكل الاهتداء إليها بداية للتفكير في حل من خلاله يتم ضبط الواقع الاقتصادي بمعزل عن إرادة الطبقة السياسية التي يعتمد الجزء الأكبر منها على حماية حزب الله. فالمعادلة الذي تنظم علاقة السياسة بالاقتصاد قد أعاد حزب الله صياغتها بما يجعل كل القنوات تصب مياهها في مجراه.  

في لحظة يمكنه أن يقول "هؤلاء حصتكم من اللبنانيين خذوهم وعالجوا مشكلاتهم." اما حصة إيران فإنها في مأمن من الجوع والبرد والعتمة. ولكن مهلا. أرجو أن لا يُخيل اليكم أن سكان الضاحية الجنوبية يعيشون في نعيم. الفرق يكمن في أن الفقر قد جرى تطبيعه هناك مثلما جرى تطبيع الموت المجاني من أجل المذهب. يقبل الناس هناك أن يعيشوا في الظلام في مقابل أن يضيء المذهب أرواحهم. حكاية لا علاقة لها بالحياة اليومية ولا يملك المرء أن يعلق عليها أو يسخر منها.

يعرف حزب الله ماذا يفعل وهو في الوقت نفسه يدرك أن العالم ليس صادقا في حكايته اللبنانية. هناك قدر من النفاق لا يمكن اخفاؤه. هل يمكن حل مشكلات اللبنانيين الكارثية من غير التفكير في حزب الله؟ اللغم الذي يجب تفكيكه أو تفجيره. في الحالين فإن الأمر يتطلب جهدا هندسيا لن يتم إلا عن طريق الحرب وهو ما يعني التضحية بجزء من الشعب اللبناني. ولكن مَن يضمن أن النتائج ستكون عادلة؟ يحلم الفاسدون بحزمة مساعدات هي البديل عن الحرب. تلك هدية حزب الله إلى الشعب اللبناني.

قراصنة من نوع جديد. يمارس حسن نصرالله اليوم دور روبن هود المعاصر. فهو يبتز المجتمع الدولي من أجل اطعام شعب لبنان. الفقراء عيونهم عليه. سيكون شعار "انقاذ لبنان" مظلة لنجاح المشروع الإيراني في لبنان. أعتقد أن الأزمة اللبنانية باتت أكثر تعقيدا لا بسبب تعنت حزب الله بل بسبب النفاق العالمي.