للشعب العراقي مشكلتان، إيران وكردستان

أي عراقي وطني ينظر متعجبا من موقف الأكراد السلبية من مطالب الانتفاضة العراقية.

لا يمكن وضع الأفراح الشعبية الهادرة الشاملة التي اجتاحت مدن العراق وقراه، في الداخل، والمغتربين في أرجاء الدنيا الواسعة، في خانة الأفراح الكروية الاعتيادية، أبداً.

بل هي فعلٌ سياسي بامتياز عبّرت به الملايين العراقية عن ابتشارها بهذه الهزيمة الرمزية الإيرانية، تعبيرا صريحا واضحا عن مدى ما تكنه من بغض عميق للنظام الإيراني، رغم أن اللاعبين الإيرانيين المهزومين ليسوا من قادة النظام، ولا من الممثلين الرسميين للولي الفقيه في هذه المباراة التي جاءت في وقتها المناسب، تماما، دون أدنى شك.

إن هذا الحجم الهائل والمفاجئ من الكره للنظام الإيراني ليس بسبب مسؤوليته عن ويلات الخراب والدمار والفساد والفقر والظلم التي حلت بالشعب العراقي في الأعوام العشرة الأخيرة، بل هو بسبب السجل الإيراني الأسود الغارق في الدم العراقي البريء في أواخر حكم الشاه رضا بهلوي، وفي الأربعين سنة من حكم الخميني وورثته المعممين.

فلولا الدعم العسكري والمالي والسياسي الذي قدمه الشاه للقيادات العشائرية الكردية، في أواسط السبعينيات، لما بالغ صدام في قتال المسلحين التابعين لتلك القيادات التي تعد بكل الحسابات خارجة على القانون وعلى الوطنية والوفاء.

ولولا ذلك التحالف لما اضطر صدام حسين لتوقيع اتفاق الجزائر مع الشاه عام 1975 لينهي به الدعم الإيراني لقوات الملا مصطفى البرزاني، مقابل نصف شط العرب.

ولولا اتفاق الجزائر الذي مزقه صدام، بعد ذلك، لما اندلعت حربه مع إيران الخميني لتستمر ثماني سنوات، فتأكل الأخضر واليابس في العراق وإيران، على حد سواء.

ولولا حرب صدام مع إيران لما اضطر لاحتلال الكويت. ولو احتلاله للكويت لما سقط النظام. ولولا سقوط النظام على أيدي قوات الغزو الأميركي لما ولد هذا النظام الموبوء ولَما كُتب ذلك الدستور المغشوش، ولما سقط العراق في نفق الخراب المظلم الطويل الذي لم ولن يخرج منه إلا بزوال الأسباب الحقيقية التي قادت إليه.

ومن المسلم به والمعروف والمكشوف لكل ذي عينين وأذنين من العراقيين أن إيران هي العدو رقم واحد. ويدخل في معسكرها جميع الأحزاب والمليشيات الشيعية العراقية، وسنة السفارة الإيرانية، وحزب جلال الطالباني، وبعض الانتهازيين من الكرد الآخرين.

كما لا يقل الضرر الذي ألحقته وتلحقه الأسرة البارزانية بالعراق وأهله عن الدور الإيراني التخريبي بأي حال من الأحوال.

وهذا ما يجعل ضروريا وملحا جدا أن نبحث عن حل جذري ونهائي لازدواجية الولاء المزمنة لدى قادة الأحزاب الكردية، وأن نضع نقاطنا ونقاطهم على الحروف.

فمن أول أيام تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 لم تهدأ جبهات الحروب الداخلية بين الحكومات العراقية المتعاقبة وبين طلاب السلطة الكرد، إلا لماما. وحتى حين كانت نارها تنطفيء قليلا، من حين إلى حين، كانت شرارتها تبقى متوهجة تحت الرماد.

ولم يتردد طلاب السلطة الأكراد المهووسين بالسلطة وأمجادها وأموالها في قبول أي دعم سياسي أو عسكري، مهما كان، وأيا كان.

ومن عام 1921 وهم يتظاهرون بانهم فقط ضد الحكومات الاستبدادية العراقية، وأنهم يناضلون، مع قوى التحرر العربية العراقية الأخرى، من أجل تحرير الشعب العراقي من الديكتاتورية، ومن أجل إقامة نظام ديمقراطي عادل وعاقل يوفر للمواطن، مهما كان دينه أو قوميته وطائفته.

حتى أن كثيرين من العراقيين غير الكرد قاتلوا في صفوفهم إيمانا منهم بوحدة قوى الحرية والديمقراطية، وتعلقا بأمل تحرير الوطن كله من ربقة الاستبداد والعنصرية والطائفية البغيضة.

لكنَّ الذي تلى سقوطَ نظام صدام حسين من أحداث وتقلبات وتحالفات وصراعات أثبت أن قادة الأحزاب الكردية انتهازيون بامتياز. فقد تحالفوا مع إيران وأحزابها الرجعية الطائفية العميلة الفاسدة، واقتسموا معها الغنيمة دون وازع من وطنية ولا ديمقراطية وعدالة، ولا ضمير.

وبين هذا وذاك نزف دم كثير، واحترقت بنار الحروب مدن وقرى عديدة، عربية وكردية معا، ودفن أهلها تحت أنقاضها.

هذا الوضع لا يحتمل وينبغي أن ينتهي. فلا كردستان العراق دولة مستقلة وتتعامل مع جارتها الدولة العراقية معاملة الجيران والأشقاء، ولا هي جزء حقيقي من الدولة العراقية لها ما لأي جزء من الوطن، وعليها ما عليه.

فليس مسموحا لأي عراقي بأن يعمل في إي من دوائر حكومة الإقليم، حتى لو كان واحدا من مواطنيها المقيمين ضمن حدودها.

بل لا يدخلها العراقي الزائر للسياحة إلا بتأشيرة صعبة وغير متاحة لمن يريدها. وممنوع على جيش الدولة العراقية دخول الإقليم، ولا يسمح لحكومة المركز أن تعرف كم يقبض حكام كردستان وكم ينفقون وأين ينفقون، ولا ماذا يبيعون وماذا يشترون.

بالمقابل يستحوذون على نسبة كبيرة من أموال الشعب العراقي، ويحتلون رئاسة الجمهورية والبرلمان وعددا كبيرا من المواقع الحساسة الرئيسية الأخرى، ويقيمون ويتملكون ويترشحون ويَنتخبون ويُنتخبون في أية محافظة من محافظات العراق، دون قيد ولا شرط، حالهم حال أي عراقي آخر ينتمي لهذا الوطن المسكين.

وها هم اليوم، والانتفاضة الباسلة تقف بشجاعة وصمود لإقالة النظام الفاسد وتعديل الدستور ومحاسبة الفاسدين، يقفون بصلابة ضد مطالب الشعب العراقي المنتفض، ويرفضون إقالة عادل عبدالمهدي الملطخة يداه بدماء خيرة شباب الوطن، ويرفضون أي تعديل أو تغيير في الدستور الأعرج الذي فصلوه على مقاسهم، في غفلة أو جهالة أو انتهازية من أحزاب إيران الفاسدة حين دسوا فيه المادة 142 التي تحدد خطوات عدة لإجراء أي تعديل عليه، أولها التصويت على التعديل في البرلمان، ثم عرضه على الاستفتاء الشعبي العام، ويكون باطلاً إذا اعترضت عليه أغلبية المصوتين في ثلاث محافظات. أليس هذا منتهى الخبث والغدر والأنانية والفساد؟