لماذا سقطت القضية الفلسطينية من اهتمام الناس

بدلا من الهم الفلسطيني التاريخي، صار العرب مشغولين بهمومهم الخاصة.

عندما وقعت السلطة الفلسطينية اتفاق أوسلو 1993، وعد عرفات الشعب الفلسطيني أنه سيجعل الدولة الفلسطينية "نمرا اقتصاديا"، ثم تبخر الوعد في الهواء بعد أن تراجعت إسرائيل عن التزامها بإنشاء دولة فلسطينية، بالإضافة إلى رفض غالبية الفلسطينيين التنازل عن الأرض المحتلة في عام 1948 وإصرارهم على حق اللاجئين بالعودة. ثم انتشر الحديث عن فساد السلطة الفلسطينية وعدم الوضوح بشأن إنفاق المساعدات الدولية وتساؤل الفلسطينيين عن مصير تلك المساعدات، بالإضافة إلى سوء الإدارة والتعامل المكشوف لبعض عناصر السلطة الفلسطينية مع إسرائيل تجاريا، وقد اعتبرت حركة حماس هذا التعاون خيانة وانفصلت بغزة عن الصفة الغربية، وقد ألحق هذا الانقسام ضررا بالغا بالقضية الفلسطينية وأصبح حجة تقيمها إسرائيل على الفلسطينيين بأنها لا تعرف مع من يجب عليها أن تتفاوض.

أما على الصعيد الإقليمي فقد قدمت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل أسوأ قدوة، وعندما لحقتها معاهدات سلام أخرى، ناصب بعض العرب الدول التي وقعت العداء واتهموها بالخيانة. ومن جانب آخر، فقد كان لغزو العراق للكويت أعمق الأثر في نشوء الأحقاد ضد الفلسطينيين ووصفهم بأنهم خانوا "الملح والزاد" مع الكويت. ثم حوصر العراق وتم غزوه وتدميره، فانتشرت الفوضى العارمة والخسائر الاقتصادية بلا حدود وانتقل عدد كبير من العراقيين إلى العيش في الدول المجاورة مما أثقل كاهل تلك الدول اقتصاديا، ثم جاء الربيع العربي ليجهز على القضية الفلسطينية ويسقطها من دفاتر العرب بعد أن أصبحت ظروف العيش في غاية الصعوبة في غالبية الدول العربية، كما استغلت ايران الفوضى وتسربت إلى المناطق العربية وتدخلت في الثورات لنصرة من تعتبرهم محورا للمقاومة ضد محور الاعتدال، هذا بالإضافة إلى تدهور الحالة الاقتصادية إلى مستوى لا يستوعبه العقل حتى في دول الخليج الغنية التي فقدت الرفاهية السابقة وارتفعت نسبة البطالة لديها، ولم تعد قادرة على دعم الفلسطينيين أو حتى التفكير بهم.

وإزاء هذا الوضع المزري، صار البعض ينظرون إلى فلسطينيي الشتات بأنهم عبء وأن مكانهم في أرضهم وأنهم جبناء لأنهم خرجوا من ديارهم، وأن بعض الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود وقبضوا ثمنها. ومع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، صرنا نسمع أسوأ النقائص التي يُرشَق بها فلسطينيو الشتات، والمنة على استقبالهم وتوفير فرص عمل لهم، وقد ساهم بعض الفلسطينيين في تعزيز الصورة السلبية لهم وبات كثير من الناس يعتبرونهم "نصابين وزعران"، ويفضلون التعامل مع الجنسيات الأخرى على التعامل معهم.

اليوم، توسعت إيران في بسط نفوذها في بعض الدول العربية، وصرحت بمطامعها بالسيطرة على دول الخليج، وصارت القضية الفلسطينية الحجة والذريعة الكبرى لإيران وادعت أنها ستمسح إسرائيل من الخريطة. ومما زاد الطين بلة هو موقف حماس التي تثني على مساعدات ايران كما هي الحال مع حزب الله في لبنان. وها هي اليوم تتلقى الضربات الموجعة من إسرائيل في سوريا ولا تحرك ساكنا، بينما يتصدى الجيش السوري للصواريخ الإسرائيلية.

وإزاء التدهور الاقتصادي والتهديدات الأمنية والانقسام الفلسطيني وانتشار فلسطينيو الشتات في دول الجوار ومنافسة أهلها على الموارد الشحيحة واستغلال ايران للقضية الفلسطينية وتمددها في البلاد العربية، لا يلام أحد باتخاذ موقف سلبي من القضية الفلسطينية والفلسطينيين عموما.

يرى بعض المحللين أننا نقف على مفترق طرق يحدد نتيجته الاشتباك العسكري بين ايران وإسرائيل، ولكن ما يجري على أرض الواقع هو أن الذي يتصدى لصواريخ إسرائيل هو الجيش السوري وليس إيران، وربما يكون لنتيجة هذا الاشتباك نتيجة بالغة الأهمية، حيث سيرى المناصرون لايران موقفها الحقيقي من إسرائيل وهل هي فعلا جادة بأن هدفها هو تدمير إسرائيل أم أن ذلك مجرد ذريعة لبسط النفوذ على الدول العربية. ونذكر بيت الشعر القديم:

ستعرف عندما ينجلي الغبار  ***   أفرس تحتك أم حمار.