لماذا نستنسخ التجربة الإسرائيلية في النظام السياسي العراقي؟

منصب الرئيس العراقي أقل من فخري ومهمش. حان الوقت لإعادة النظر به وبالنظام السياسي الذي رسم له موقعه "الفضائي".

ربما سيدّعي البعض أنها من مبررات الصُدفة أو أخطاء أوجدتها ظروف مستعجلة للملمة المشهد السياسي المرتبك في العراق بعد أحداث عام 2003 وخروجه من بين براثن نظام شمولي إلى ديمقراطي مُفترض حسب مقاييس الإحتلال الأميركي، لكنها أخطاء لا يمكن أن تفرزها إجتهادات سياسية أو تغفرها مناهج البحث في برامج جديدة لنظم سياسية مستحدثة كان يمكن تجنبها عند كتابة الدستور العراقي عام 2005 خصوصاً لمن شارك في كتابته وهو يعلم ما يعنيه إستنساخ تجارب الآخرين وأنظمتهم السياسية.

الوصفة الجاهزة والتركيبة المستنسخة التي أرادها بول بريمر الحاكم المدني وزلماي خليل زاده للعراق بعد عام الإحتلال 2003 في تقليد التجربة الإسرائيلية وإستنساخها في النظام السياسي العراقي من خلال إستحداث منصب رئيس الجمهورية الذي دائماً ما كان من حصة المكون الكردي حسب التقسيم المكوناتي للمجتمع العراقي، في أن تكون رئاسة الجمهورية للكرد ورئاسة الوزراء للشيعة في حين رئاسة البرلمان للمكون السُنّي ووضع منصب رئيس الجمهورية في خانة البروتوكولي، حيث لا يعدو كونه منصباً للترضية لأطراف أو كتل سياسية أو طوائف أو حتى شخصيات سياسية بإعتباره منصباً فخرياً لا قيمة له في التأثير وصنع القرار ويتساوى مع غيابه، ومع أن الدستور العراقي حدد لرئيس الجمهورية مهمة أن يكون حامياً للدستور إلا أن المفارقة بأغلب الكتل السياسية في العراق كانوا ممن يضربون قوانين الدستور بعرض الحائط عندما كان يتعارض ذلك مع مصالحهم ورغباتهم.

أصبحت هذه الوظيفة عِبئاً على الخزينة العراقية ووظيفة يقال عنها في العراق "فضائية" أي وهمية لما تستنزفه من أموال ورواتب وقصور وحمايات ومنافع، في الوقت الذي تعلن فيه خزينة الدولة عن عجزها دفع رواتب الموظفين وفي فترات متفاوتة، إضافة إلى هذه الوظيفة البروتوكولية فقد أُضيفت إليها وظائف أخرى شكّلت عِبئاً أكبر وإستنزافاً أكثر للموارد المالية والمنافع لتكون في المحصلة وظائف أكثر وهمية عندما إستُحدثت مناصب نائب رئيس الجمهورية حيث بلغت في حكومة حيدر العبادي ثلاثة مناصب توزعتْ للترضية وإرضاءً لبعض العناوين ممن إستلمتْ مناصب نائب رئيس الجمهورية شخصيات سياسية وهم كل من نوري المالكي وأياد علاوي وأسامة النجيفي، وبرغم أن العبادي وحكومته بادروا إلى إلغاء هذه المناصب إلا أن هؤلاء إكتسبوا دعوة قضائية بشرعية مناصبهم بعد أن قاموا بتغريم الدولة العراقية ملايين الدنانير كرواتب تأخيرية وغرامات.

منصب رئيس الجمهورية في العراق لا يختلف كثيراً عن نظيره الإسرائيلي حيث يكون الرئيس في ذلك النظام صوري ومجرد عملياً من السلطات التنفيذية ويتولى الرئاسة لمدة سبع سنوات لا يحق له التجديد، كذلك لا يحق له حضور إجتماعات مجلس الوزراء في حين تقع القوة التنفيذية الحقيقة في يد رئيس الوزراء وهو نفس ما معمول به في العراق، حيث يتولى الرئاسة الإسرائيلية إسحاق هرتزوغ الذي تولى المنصب في 7 يوليو 2021.

في منظومة الأنظمة الرئاسية التي أقرتها القوانين بوجود رئيس للجمهورية تكون من واجباته تعيين رئيساً للوزراء في دول مثل الجزائر أو مصر أو حتى دول مجاورة للعراق ومراقبة أداء وأعمال هذه الحكومة مع إمكانية حلّ هذه الحكومة عندما تقتضي الضرورات لذلك، ما يعني أن منصب رئيس الجمهورية يكتسب أهمية كبرى في إدارة شؤون النظام السياسي للبلد.

الملاحظات التي أثارها القضاء العراقي في وقت سابق بضرورة مراجعة بنود الدستور العراقي على إعتبار أن الكثير من فقراته أصبحت لا تتلاءم مع المرحلة الراهنة التي يعيشها العراق قد تكون أصابت الهدف وأدركت الدقة في الخطايا التي يجب إيجاد معالجات لها وحلول، هي تأكيدات ضرورية ترتقي لمحاولات تعديل النظام السياسي العراقي والإبتعاد به عن مقارباته للنموذج الإسرائيلي وإيجاد بدائل بعيدة عن هذه النسخة.

بالمحصلة ربما أراد بول بريمر الحاكم المدني من توأمة النظام السياسي العراقي مع نظيره الإسرائيلي في إيصال رسالة من أن هذه التوأمة ربما تكون مقدمات لتطبيع سياسي يفرضه تشابه الأنظمة، وهو ما إستوجب من تعالي أصوات تطالب بضرورة تغيير النظام السياسي في العراق من برلماني إلى رئاسي، إلا أن هذه المحاولات كانت تصطدم برغبات أنانية ورؤى ضيقة لبعض الكتل السياسية ومنافع حزبية للبعض في الإستحواذ على أكبر قدر من كعكة المنافع والإمتيازات، لكن بالرغم من هذا يبقى السؤال الذي يتجدد دائماً عند حدوث أي إضطراب أو أزمة سياسية وهو: هل سيتحول العراق إلى النظام الرئاسي ويبتعد عن التوأمة الإسرائيلية؟ ذلك سيكون فصلاً من مسرحية لازالت نهاياتها مفتوحة وبانتظار الخاتمة.