لم يكن ربيعا عربيا في كل الأحوال

الربيع العربي يصنف ربيعا فقط عندما تحكم جماعات الإسلام السياسي الشيعية السنية!
الربيع العربي أسقط الدول بدلا من إسقاط الأنظمة
لماذا استبعِدت ثورتا الشعبين العراقي واللبناني من جنة الربيع العربي
مؤسسات أميركية نافذة صنعت الربيع العربي سرا وصارت في ما بعد تدافع عنه علنا

لم يكن الربيع العربي منصفا ولا صادقا ولا حتى وسطيا. بل تخلله الكثير من الاحتيال والكذب والانحياز. لقد سقطت بقوة عصفه أنظمة تبين في ما بعد أن سقوطها كان مطلوبا. ذلك استنتاج يستند إلى النتائج وليس إلى الأسباب.

سقطت الأنظمة السياسية الهزيلة في تونس ومصر واليمن وليبيا غير أن النظام السياسي الحاكم في سوريا بقي عصيا على السقوط لا بسبب قوته الذاتية بل لما توفرت له من أسباب حماية مزدوجة روسية ــ إيرانية.

وبالرغم من تلك الحماية فإن العمر الافتراضي لذلك النظام قد انتهى وليس عدم سقوطه دليلا على بقائه. لقد أدار حربا شردت شعبا وهدمت مدنا وحطمت جيشا ولم يعد يُنتظر منه سوى أن يُسلم الدولة التي صارت خاوية من أية هيبة وهي ليست سوى هيكل يخشى البعض وقوعه في لحظة غير مناسبة.

لم يفشل الربيع العربي بل نجح في إعلان وجه آخر من وجوهه.

بدلا من اسقاط النظام هناك أسقط الربيع العربي الدولة.

ذلك ما حدث في ليبيا لكن بطريقة مأساوية مختلفة. أما ما حدث في اليمن فقد كان تمهيدا لانقلاب الحوثيين وبداية استيلائهم على الدولة وهيمنتهم على الدولة. وهو ما يفسر سكوت المجتمع الدولي المريب عما فعلوه.

هي المرة الوحيدة في عالمنا المعاصر التي لا يقف فيها المجتمع الدولي مع الشرعية ويُسقط الانقلاب.

كل ذلك كان ربيعا عربيا إذا ما تعمقنا في محاولة فهمه نلاحظ أن هناك مؤسسات حقوقية وإعلامية أميركية نافذة تركز في عملها الصاخب على فشله في مصر بسبب ثورة مضادة قادها الضابط عبدالفتاح السيسي.

تلك المؤسسات خصصت جل وقتها من أجل إفشال تلك الثورة المضادة التي استأصلت الربيع العربي من جذوره. وهنا المقصود هو حكم الإخوان المسلمين الذي استمر سنة واحدة وثار عليه الشعب واستجاب وزير الدفاع السيسي لمطلب الشعب في إسقاطه.

تلك المؤسسات التي تدافع عن الربيع العربي وتضع إمكانياتها في خدمة محاربة ما تسميه بالثورة المضادة لم تلتفت ولو للحظة إلى التظاهرات الشعبية التي عمت شوارع وساحات بغداد ومدن عراقية أخرى وبيروت وطرابلس في لبنان وكان هتاف إسقاط النظام السياسي قد جمع بين الشعبين عبر شهور ملتهبة من الاحتجاج سقط خلالها مئات القتلى من غير أن يهتز النظام في البلدين أو تشعر الطبقة السياسية الحاكمة بوعكة صحية.

ألم يكن ذلك ربيعا عربيا؟

ما حدث في العراق ولبنان انما هو من وجهة نظر تلك المؤسسات أعمال شغب وفوضى وليس له أدنى علاقة بالربيع العربي الذي كان مخصصا لإسقاط أنظمة سياسية بعينها واستبدالها بأنظمة جاهزة يُمنع العمل على إفشالها حتى لو كانت فاشلة أصلا مثل النظام الذي قادته جماعة الإخوان المسلمين في مصر أو النظام الذي تديره حركة النهضة في تونس أو نظام الحوثيين الذي هو أحد أذرع إيران المعلنة في المنطقة.

اما بالنسبة لإسقاط نظامي الحكم في العراق ولبنان المرتبطين مباشرة بإيران فيمكن اعتباره نوعا من الثورة المضادة الذي يجب مكافحته والوقوف ضده.

حسب الميزان الذي تعتمده تلك المؤسسات فإن الشعبين (العراقي واللبناني) كانا على خطأ حين خرجا محتجين على الفساد وانهيار الخدمات وفشل الدولة في معالجة مشكلات الفقر والبطالة. هما من وجهة نظر المؤسسات الراعية للربيع العربي قد تجاوزا الخط المسموح به. فهما يعيشان في الوضع الذي يحب أن تعيش فيه الشعوب العربية.     

هنا يحضر السؤال الخطير. هل كان الربيع العربي عربيا أم هو ربيع لجماعات الإسلام السياسي التي تمثلها بشكل أساس جماعة الإخوان السياسي والميليشيات المرتبطة بإيران مثل حزب الله والحوثيين؟

لقد تم استبعاد ثورتي الشعبين العراقي واللبناني من جنة الربيع العربي لا لشيء إلا لأنهما تناديان بإسقاط نظامين هما المطلوبان من قبل المؤسسات التي صنعت ذلك الربيع سرا وصارت في ما بعد تدافع عنه علنا.

وليس المقصود من الدعوة إلى ربيع عربي ثان سوى محاولة ذات اتجاهين. اتجاه يذهب إلى الحيلولة دون نجاح قوى الثورة المضادة واتجاه يوفر الدعم للأنظمة التي تتعرض لضغوط شعبية. 

لقد أسقط الربيع العربي أنظمة هزيلة كان لابد أن تسقط. ذلك صحيح. غير أن الصحيح أيضا أن ذلك الربيع ما كان يسعى لإقامة أنظمة تخدم الشعوب بل أنظمة تكون مرآة لفكرته عمَن يجب أن يحكم تلك الشعوب.