لم ينفع المال. حان وقت السلاح

فضل العراقيون الفاسد العراقي على العميل الإيراني.
مقتدى الصدر مريض بحيرته بين أن يكون عراقيا خالصا أو شيعيا إيرانيا
تيار نوري المالكي لم يكسب أصواتا إلا لأنه لم يُحسب على ميليشيات إيران
أكثر من 15 سنة من الهيمنة الإيرانية على القرار السياسي في العراق لم تثمر عن أي نوع من التطبيع الشعبي

نتائج الانتخابات التشريعية في العراق ليست مقنعة بالنسبة لزعماء الميليشيات التابعة لإيران أو ما يُسمى "بالحشد الشعبي".

وكما يبدو فإن الناخبين العراقيين قد وضعوا أصواتهم في كفة الميزان الأخرى بغض النظر عما تحتويه تلك الكفة.

كان الجهد الشعبي كله قد أنصب على محاولة منع قيام دولة الحشد الشعبي حتى ولو كان الثمن صعود مقتدى الصدر وجماعته.

وحتى نوري المالكي وتياره المتعفن فسادا لم يلق رفضا في مقابل أن يتم طرد مرشحي الميليشيات من السباق الانتخابي.

كان الخيار الشعبي واضحا. اي شيء مقابل أن لا يصل ممثلو إيران إلى مجلس النواب. كان ذلك موقفا ضد إيران بالدرجة الأساس.

لهذا يمكن اعتبار نتائج الانتخابات استفتاء شعبيا أكد من خلاله العراقيون كذب خرافة الهيمنة الاجتماعية الإيرانية.

لا تزال إيران كما كانت في السابق دولة لا يطيق العراقيون نوع العلاقة غير المتوازنة بنظامها وحرسها الثوري.

أكثر من خمسة عشر سنة من الهيمنة الإيرانية المباشرة على القرار السياسي في العراق لم تثمر عن أي نوع من التطبيع الشعبي لتلك الهيمنة والقبول بها. فأدوات الهيمنة المباشرة لا تزال منبوذة ولا يزال العراقيون ينظرون بقلق إلى وجود الحشد الشعبي بالرغم من أن هناك ضغطا اعلاميا مكثفا في اتجاه الاعتراف به كونه مؤسسة عسكرية رسمية.

تلك كذبة لم يصدقها الشعب العراقي.

وإذا ما كان نوري المالكي وهو من أكثر السياسيين فسادا في التاريخ قد زعم في لحظات افوله بأنه سيد المقاومة وكبير المقاومين في العراق فإن الوقائع أثبتت أن إيران قد أشارت على تابعيها بتجنبه واهماله وعدم التحالف معه بسبب سمعته السيئة وهو ما نفعه في الانتخابات. لسان حال المالكي يردد اليوم "ربما ضارة نافعة" لم يكسب تياره أصواتا إلا لأنه لم يُحسب على ميليشيات إيران.

فضل العراقيون الفاسد العراقي على العميل الإيراني.

تلك مفاضلة صعبة غير أن الظرف القاسي الذي يمر به العراقيون فرضها عليهم وصار عليهم أن ينظروا إلى مقتدى الصدر باعتباره الأقل شرا وهو المتهم بألف جريمة وجريمة. بدءا من مقتل مجيد الخوئي وانتهاء بقتل المحتجين عام 2019 مرورا بالحرب الأهلية بين عامي 2006 و2007. يومها لعب نوري المالكي دور المتعهد في تلك الحرب التي قُتل فيها عشرات الالوف من العراقيين وكانت لمرجعية النجف مساهمة فيها.

كانت الميليشيات وهي تنفق الأموال تمهيدا للانتخابات الديمقراطية على يقين من أن الحكومة القادمة ستكون من صنعها إذا لم تكن حكومة حشد شعبي مطلقة. كان هادي العامري يجهز قائمة وزرائه من القتلة واللصوص والمهربين والمزورين وأصحاب السوابق ليقود المرحلة الاصلاحية التي لن يتمكن فيها ثلاثة عراقيين من التجمع قبل أن تصيب أحدهم رصاصة من قناص مجهول.

كانت خارطة الطريق قد وُضعت على الطاولة. لذلك رفض العامري التحالف مع الصدر قبل الانتخابات. إنه يعرف أن العراقيين ليسوا صدريين غير أنه أدرك بعد الانتخابات أنهم صاروا كذلك من أجل يسخروا من إيران بالرغم من أن الصدر نفسه لا يميل إلى السخرية من إيران إلا إذا استيقظ الصوت الوطني في داخله فيصير يصرخ كالمجنون "إيران برا برا".

قالها الصدر مرات. ذلك لا يعني أن الرجل ليس مريضا بالطائفية. ذلك مرض عرفت إيران كيف تستفيد منه. فالصدر مثلا لا يثق بعراقيته أكثر من ثقته بالمذهب الذي يعتقد أن إيران صارت تديره. وهو اعتقاد خاطئ. غير أن كراهيته المتوارثة للنجف جعلته يلجأ إلى كاظم الحائري الإيراني المقيم في قم.

الصدر وهو أكبر الفائزين في الانتخابات العراقية مريض بحيرته وتردده ما بين أن يكون عراقيا خالصا وبين أن يكون شيعيا إيرانيا. لا مجال هنا للحديث عن التمثيل الشيعي. فالحشديون على سبيل المثال انما يمثلون إرادة إيران المباشرة في الهيمنة على العراق. وهم لا يمثلون الشيعة في أية حال من الأحوال. فالمسألة لا تتعلق بمكونات محلية بل بسياسة اقليمية وظفت إيران ميليشياتها من أجل تثبيت خرائطها على أرض الواقع.

الآن وقد خسرت الميليشيات الإيرانية الانتخابات، هل علينا التصديق بأن الحشد الشعبي الذي يتألف من أكثر من مئة ألف مسلح سيرضا بتلك النتائج وسينتظر في معسكراته قرار الغائه بشعور وطني عميق بالمسؤولية؟

ذلك ما لن يحدث. فالحشديون يعرفون أن غيابهم عن السلطة سيجلب عليهم المصائب. لذلك فإنهم سيشهرون السلاح بحثا عن حل يرضيهم. لن يكون ذلك الحل بأقل من المشاركة في الحكم ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم.