لن تبني الطوائف دولة حديثة

انفجار بيروت دمر الطوق المذهبي، ليس في لبنان فقط.
الميليشيات تحرم العراقيين على اختلاف طوائفهم من المساهمة في بناء دولة مدنية
سقطت تجربة النظام الطائفي إلى الأبد وصار على حزب الله أن يبحث عما يمكن أن يحفظ له كرامته
ظهور الميليشيات في العراق تزامن مع صعود حزب الله في لبنان ما سرّع في نشوب الحرب السورية

عام 2003 اخترعت سلطة الاحتلال الأميركي كذبة الطائفية في العراق والتزمتها الأحزاب الدينية وروج لها كتاب جندتهم وكالة الاستخبارات الأميركية.

كان النموذج اللبناني حاضرا في أذهان الجميع. سيكون العراق لبنانا آخر.

غير أن تطبيع النموذج العراقي لم يكن ممكنا إلا عن طريق عمليات الإبادة الجماعية. كان على الشيعة أن يعرضوا الآخرين للقتل ليكون العراق دولة محكومة بنظام طائفي قائم على المحاصصة حسب النسبة السكانية لكل طائفة بغض النظر عن الكفاءة والخبرة ومستوى التعليم.

ذلك نظام سياسي متخلف لا علاقة له بالأسس التي قام عليها مفهوم الدولة الحديثة، حيث الغالبية السياسية هي التي تحكم الدولة وتضع خطط برامجها التنموية. اما لماذا قيدت الولايات المتحدة دولة العراق الجديد بذلك النظام فلأنها تعرف جيدا أنه أشبه بقنبلة ما أن تنفجر حتى تجدد وجودها ذاتيا في انتظار انفجار جديد.

كانت التجربة اللبنانية حاضرة في الذهن الأميركي.

وبغض النظر عن الجهات التي قامت بتمويل الميليشيات الشيعية في العراق فقد كان ظهور تلك الميليشيات متسقا مع صعود حزب الله في لبنان وهو ما اعتبر عامل تسريع في قيام الحرب السورية اضافة إلى أنه كان محفزا للحوثيين للقيام بالانقلاب على الشرعية والاستيلاء على العاصمة اليمنية صنعاء.

انطوى نظام الطوائف على حيلة مزدوجة الهدف. فهو من ناحية عطل عملية قيام دولة حديثة في العراق على انقاض الدولة التي حطمها الأميركان ومن ناحية أخرى يسر للإيرانيين إمكانية التمدد على حساب الدول العربية سعيا منهم لإقامة طوق مذهبي يحاصر الدول العربية النفطية.

ولأن حزب الله كان رائدا على مستوى اقامة المجتمع الشيعي المسلح والزحف في اتجاه تحطيم الأسس المدنية التي أقيم عليها نظام المحاصصة الطائفي لبنان والتي كانت هشة فقد سعت الميليشيات في العراق إلى اقامة دولتها مكتفية بغطاء المحاصصة الطائفية حيث تم تجريد العراقيين من كل الطوائف من إمكانية المساهمة في بناء دولة مدنية جديدة.

لم تقو أية حكومة عراقية على أن تحتوي الميليشيات التي وزعت ولاءها في اتجاهين. فهي عراقية حين يقع على الدولة العراقية واجب تمويلها والانفاق عليها وهي إيرانية حين يقع عليها واجب العمل العسكري من أجل إزعاج أعداء إيران حتى وإن كان التعبير عن ذلك الإزعاج يتم عن طريق إطلاق صواريخ لا تصيب هدفا بعينه.

لقد علمتها التجربة أن ثمن قتل أميركي واحد يكون باهظا وهو الدرس الذي تعلمه حزب الله من حرب 2006. لذلك فقد وجهت الميليشيات عملها في اتجاه الداخل العراقي. لقد صار عليها أن تسرع في إقامة دولتها مثلما نجح حزب الله في إقامة دولته التي لم يعد الحديث مع الدولة اللبنانية ممكنا من غير المرور بها. فهي المرجعية التي لا تستغني عنها السلطات الثلاث. التشريعية والقضائية والتنفيذية.

غير أن انفجار بيروت فجر تلك المرجعية من خلال تفجير فسادها.

ذلك ما سينعكس سلبا على النظام الطائفي كله في لبنان. في العراق أيضا. لمَ لا وهناك تظاهرات شبابية منذ اكتوبر الماضي تطالب بإسقاط النظام الطائفي؟

قبل الانفجار العظيم الذي شهده ميناء بيروت كان لبنان في طريقه إلى أن يكون دولة فاشلة بعد أن أفرغ الفاسدون المصارف اللبنانية من أموال عملائها.

اما بعد الانفجار فقد صار لبنان تحت إدارة دولية.

لقد سقطت تجربة النظام الطائفي إلى الأبد وصار على حزب الله أن يبحث عما يمكن أن يحفظ له كرامته لا من خلال الانسحاب من الحياة السياسية حسب بل وأيضا من خلال تفكيك ميليشياته فلبنان ليست لديه مشكلة لكي تحلها المقاومة المسلحة.

ذلك درس ينبغي أن يتعلم منه العراقيون ما ينفعهم في بناء بلدهم. فالطوائف لا تبني دولة حديثة.