لو استمر الاحتلال الأميركي لكان العراق أفضل حالا

قبل أن أهنئ الأردنيين بنجاحهم وتفوقهم على العراق وتصديرهم الكهرباء، علي أن أعزي العراقيين بفشلهم وتدني قيمتهم بين الأمم.

لا أعرف بدقة معنى الربط الكهربائي الذي أعلن العراق أنه قد أتمه مع الأردن. هل لدى الأردن طاقة كهربائية فائضة يبيعها إلى العراق؟ ولكن قبل أن يجيب أحد ما على ذلك السؤال وليس أنا أذكر بأن العراق ملزم بتمويل الخزانة الإيرانية بمليارات الدولارات لقاء استيراده للغاز الذي يستعمله في إدارة محطاته الكهربائية بالرغم من أنه ينتج الغاز من غير أن يجد طريقة لإيقاف هدره.

أعرف أن في إمكان العراق أن يشتري الكهرباء مقابل النفط. والأردن كان ولا يزال وسيبقى في حاجة إلى النفط العراقي الذي كان يُباع له بأسعار مخفضة عن السعر الرسمي. لكن استيراد الكهرباء من دولة ليست ثرية ينطوي على إعلان ضمني بالفشل النهائي. ليس هناك معنى آخر. دولة ثرية تستورد كهربائها من دولة غير ثرية بعد أن عجزت حكوماتها المتلاحقة منذ أكثر من عشرين سنة عن بناء محطات وطنية لتوليد الطاقة بما يغطي حاجة سكانها.

العراق وفق ذلك المنظور يمثل حالة سلبية استثنائية لا أعتقد أن هناك دولة شبيهة له إلا إذا وضعنا نصب أعيننا لبنان وهو دولة ليست ثرية قاوم زمنا طويلا لكي لا يبدو فقيرا غير أن فساد طبقته السياسية جعله يقف أمام العالم عاريا لا يملك ما يستر فيه حقيقة فشله. العراق شيء آخر. كل الإحصاءات تؤكد أن الدولة المجازية فيه لا تضع في برامجها مصير مواطنيه الذين صاروا يتوزعون ما بين الجهل بسبب انهيار النظام التعليمي وما بين المرض بسبب إفلاس القطاع الصحي، إذ تخلو المستشفيات حتى من أدوية التخدير اللازمة لإجراء العمليات الجراحية. كل ذلك يجري في ظل انخفاض المستوى المعيشي إلى ما تحت خط الفقر لأكثر من 30% من سكانه وارتفاع مستوى البطالة إلى أكثر من 40% من شبابه.

وإذا ما عرفنا أن موازنة العراق لعام 2023 بلغت 154 مليار دولار فيما بلغت موازنة الأردن 11.4 مليار دولار فإن الأردن وقد استطاع أن ينقذ دولة جارة من الظلام هو دولة ناجحة استطاعت رغم فقر موازنتها أن تنتج كهرباء فائضة يمكنها أن تصدرها إلى دولة يُقال أنها أنفقت أكثر من أربعين مليار دولار على مشاريع إنشاء محطات التوليد الكهربائي من غير أن ترى تلك المحطات النور لأنها لم تُقم أصلا ولأن الأربعين مليار دولار كانت قد نهبت من قبل شبكات وزارة الكهرباء التي يشرف عليها الوزراء بأنفسهم والمتعاقدون الذي يمثلون شركات عربية وعالمية وهمية وهم في حقيقة أمرهم مجرد نصابين ومحترفي احتيال. في ارشيف وزارة الكهرباء العراقية آلاف الملفات التي تضم خططا لإنشاء الكهرباء قدمتها شركات لا وجود لها على أرض الواقع فهي أما من اختراع الطبقة السياسية العراقية وأما من اختراع نصابين عابرين للحدود تقاسموا غنيمتهم مع مسؤولين كبار في الحكومات العراقية.

منذ سنوات لم يعد هناك حديث عن الاكتفاء الذاتي في الكهرباء بعد أن اتضحت كذبة وزير النفط الأسبق حسين الشهرستاني حين قال عام 2012 إن العراق سينتج من الطاقة الكهربائية ما يُكفيه ويصدر ما يتبقى إلى الدول المجاورة. اختفى الشهرستاني وهو من أصول إيرانية كما يشير أسمه ونُسي تصريحه كما نُسيت سرقة أيهم السامرائي وزير الكهرباء الأسبق لملايين، أو مليارات، الدولارات. كان السامرائي قد أودع السجن بسبب تقارير هيئة النزاهة غير أن القوات الأميركية أخرجته من السجن وهو الآن في الولايات المتحدة ينعم بأمواله مواطنا أميركيا لم تُطالب الحكومة العراقية باسترداده.

قبل أن أهنئ الأردنيين بنجاحهم وتفوقهم علي أن أعزي العراقيين بفشلهم وتدني قيمتهم بين الأمم. معادلة تؤكد أن المال ليس كل شيء. فإذا غابت الإرادة والكرامة الوطنية لن تتمكن دولة من اجتياز مسافة سنتمتر واحد في اتجاه سيادتها وهو ما عليه العراق الذي أهدر أموالا طائلة من أجل الربط السككي بإيران. لا لشيء إلا من أجل تسهيل وصول الإيرانيين إلى المراقد والأضرحة المقدسة بالنسبة لهم في كربلاء وبعدها يتسللون إلى المدن العراقية لينالوا وثائق مدنية عراقية ليحق لهم الحصول على رواتب تقاعدية، كونهم من المجاهدين. ما من حكومة في العالم تُذل معنى المواطنة مثلما تفعل حكومة محمد شياع السوداني التي يمكن اعتبارها خلاصة لبذاءة وابتذال ما يُسمى بالحكم الوطني فلو كان العراق تحت الاحتلال لما كان أسوأ حالا مما هو عليه الآن.