ليبيا بوابة الفوضى في شمال أفريقيا

ليبيا ستكون نقطة الانطلاق لحركة استعمارية جديدة تجتاح شمال أفريقيا.

صحيح أنه لم يحضر المفاوضات التي جرت في ألمانيا أطراف ليبية، ولكن حضر من ينوب عنها، فالدول التي حضرت مثلت الطرف الذي تناصره في المعركة على الأرض الليبية، وطالما أن نتيجة المفاوضات تشبه البينات الختامية لاجتماعات جامعة الدول العربية، فهذا يعني استمرار الحرب في ليبيا. فالأطراف المتحاربة تصر على فرض ارادتها ولا سبيل الى التهدئة، وسوف تقف الدول الأخرى موقف المتفرج بانتهاء ما ستسفر عنه هذه الحرب، ثم يجري التفاوض على توزيع الغنائم. وهو ما اعتاد عليه العرب منذ غابر الزمان.

يبقى الشيء المقلق هو التوسع التركي في ليبيا والخطر الداهم في حال انتصار حكومة الوفاق التي ستدخل جيب تركيا وتصبح تحت تصرفها، وسيفرح إردوغان الذي صرح أن ليبيا ولاية عثمانية، وبالتالي فإنه سيتصرف بناء على حقه في الإرث العثماني من المحيط الخليج. وسوف يبدأ بمصر، ولن يكون صعبا على إردوغان إخضاع مصر من موقعه في ليبيا، لأن مصر لا تزال تصارع لحل المشاكل التي تراكمت عليها منذ عقود، ولأن أثيوبيا وقطر وتركيا تتأهب للانقضاض على ماء النيل وقطع المياه عن مصر، بحيث تصبح غير قادرة على الصمود في وجه الاعتداء التركي.

لقد رفض الشعب التونسي سلطة الاسلاميين وظل متمسكا بعلمانيته وحضارته، والفضل في ذلك يعود الى حكامها الذين عملوا بإصرار على الارتقاء بالشعب التونسي وفتح جميع الآفاق الثقافية أمامه  فكانت المكافأة التي حصلت عليها تونس أثمن من كنوز الأرض كلها ألا وهي حقن الدماء والاحتكام الى صناديق الاقتراع دون تلاعب أو تزييف. فتونس لم يحمها سوى شعبها وكان يمكن لحكامها السابقين أن يجهلوا الشعب ويفرقوا بين فئاته لكي يحكموه لعقود دون أن يرفع رأسه، ولكن العلم والثقافة لدى الشعب التونسي جعلاه ينفرد في طريقة إدارة الانتقال السياسي السلمي.

إن ما سيخسره الشعب الليبي بمواصلة الحرب، لا مجال لوصفه، وسوف تكون ليبيا نقطة الانطلاق لحركة استعمارية جديدة تجتاح شمال أفريق، والمؤسف أنه لا يوجد في ليبيا قيادات شعبية على مستوى عال من الوعي لتفرض إرادتها على السراج وحفتر وتختار حكومة جديدة من خلال الانتخابات النزيهة، وهذا أمر مؤسف جدا، والمجال لا يتسع بإلقاء اللوم على أحد في أن تكون ليبيا مجتمعا عشائريا لا يهتدي بثقافة راقية قادرة على تنسيق هذه العملية.

الآن بدا واضحا أي البلاد العربية استطاعت بفضل ثقافتها وحضارتها أن تنظم أمورها وتتجنب ويلات الحرب الأهلية، وأيها سيطرت عليها الهمجية والوحشية وأراقت دماء شعبها وظلت الفئات المتناحرة تتقاتل على السلطة والخارج يمدها بالرصاص الذي يستقر في صدور المدنيين العزل، وأي الشعوب العربية ظلت راضخة لأنظمة الحكم التي تمتص دماءها وتفقرها وتجهلها، وانكشف غطاء التعليم الزائف الذي فشل خلق إنسان قادر على انتزاع حقوقه بالعصيان المدني وليس بالسلاح، وأي الحكومات التي توحشت فأطلقت النار على شعبها الذي يطالب بشكل سلمي بحقوقه المعيشية والمشاركة السياسية بعيدا عن العشائرية والطائفية، وبات الدرس واضحا للجميع وهو أن الثقافة والارتقاء تخلق إنسانا متحضرا يخجل أن يطلق الرصاص على أخوته ويرفض أنماط الحكم الديني والعشائري ويفرض إرادته باختيار الأشخاص الأكفاء مهما كانت ديانتهم أو قبيلتهم.