ليست سايغون ولكن كابول هي الأسوأ

خيانة مركبة. تخون الوطن من أجل أن تأمل في أن يكون هناك وطن بدلا من الوطن الذي خطفه الارهابيون المجانين الذين قرروا أن يقيموا وطنا يشبههم.
الهزيمة واضحة المعالم والخيانة تزكم الأنف برائحتها النتنة
الولايات المتحدة أثبتت أن كل ما تقوله عن الحرية والديمقراطية هو مجرد كلام بالغ التفاهة
مفاوضات الدوحة كانت الباب الذي أفضى إلى أن يُعرض الشعب الافغاني في المزاد

هل نفرح أم نحزن لأن حركة طالبان انتصرت على الولايات المتحدة التي تستعيد مجبرة ذكريات هزيمتها في فيتنام؟ نفرح من أجل مَن ونحزن لمَن؟ "ولكن 2021 غير 1975" هناك مَن يقول. "كابول ليست سايغون" ذلك صحيح. وأميركا تعرف اليوم ما تريد وتعرف كيف تصل إلى هدفها من غير فضائح كبيرة.

فضيحة أن تعود حركة طالبان إلى الحكم بعد عشرين سنة من طردها منه لا تشكل عبئا كبيرا على الولايات المتحدة. العبء الأكبر سيقع على عاتق الشعب الأفغاني الذي توهم منذ عشرين سنة أن صديقته الولايات المتحدة قد أنفقت المليارات من أجل أن تنقذه من ظلامية عصر طالبان. المثقفون الأفغان الذين تجرعوا سم الاحتلال من غير أن يروا النور من ثقب بابه يجدون أنفسهم اليوم في العراء. لا شيء يستحق أن يدافعوا عنه ولا شيء يمكن أن يفعلوه سوى أن يتذوقوا طعم الخيانة.

لقد خانوا أنفسهم حين خانوا الحقيقة وعقدوا مقارنة مريبة بين حركة طالبان والولايات المتحدة. أيهما أمر وأيهما أكثر شرا ومَن منهما أشد من الثاني ضررا. غير أن سنوات الحرية كانت كلها سنوات حرب. لم تضع القوات الأميركية حدا للحرب بل أشعلتها من جديد بعد أن كانت طالبان قد حسمت الأمر لصالحها وقضت على كل أطراف الحرب الأهلية التي مهدت لظهورها. كانت طالبان هي القوة الشابة التي استثمرت كفاحها في الإرهاب والعزلة والجهل والتأسيس للمجهول العقائدي.

عشرون سنة من الاحتلال لم تكن سوى زمن ضائع. تلك نتيجة عبثية تتلقاها الشعوب مثل صفعة. أثبتت الولايات المتحدة أن كل ما تقوله عن الحرية والديمقراطية هو مجرد كلام بالغ التفاهة لا لشيء إلا لأنه يصدر عن طبل فارغ، مادته الزائفة يمكن أن تذوب وتختفي في أية لحظة. أكان يجب على الشعب أن لا يصدق كل ما قيل ويقاوم المحتل؟ من أجل مَن؟ في تلك اللحظة كان الوطن قد اختفى وحلت محله حركة طالبان التي فضل الشعب أن تذهب إلى الجحيم بدلا من أن تلجأ إلى الجبال.

خيانة مركبة. تخون الوطن من أجل أن تأمل في أن يكون هناك وطن بدلا من الوطن الذي خطفه الارهابيون المجانين الذين قرروا أن يقيموا وطنا يشبههم. كان الأمر غاية في التعقيد. زاده غموض النيات الأميركية تعقيدا وغموضا. لا يشبه ما وقع في أفغانستان ما حدث للعراق ولا يمكن مقارنته به. هل كانت الولايات المتحدة محقة في إسقاط نظام طالبان؟ لا أفهم في القانون الدولي ولكن على المستوى الإنساني فإن انقاذ شعب من عبث جماعة ظلامية تدافع عن نفسها بالقتل هو واجب المجتمع الدولي. فهل قامت الولايات المتحدة بغزوتها استجابة لنداء ذلك الواجب؟     

ليس ذلك الاستنتاج صحيحا. بعد هجمات 11 سبتمبر شعرت الولايات المتحدة أنها أهينت في عقر دارها وأن برج قوتها قد تم اسقاطه لذلك ذهبت إلى أفغانستان لتنتقم. صنعت عدوا جاهزا. وهو في الوقت نفسه عدو جاهل لا يعرف كيف يفلت من تداعيات أفعاله كما تفعل إيران الخمينية. لقد غلبت برمجة الجهاد حركة طالبان بحيث أعمتها عن رؤية الحقائق على الأرض. وماذا يهم؟ لقد كانت امارة أفغانستان منبوذة ومكروهة ومعزولة وليس هناك من أمل في أن تنضم إلى العالم ولا يعرف الطلاب الذين هم مادة الحركة ما معنى العالم. ولكن الحرب على الكفار كانت مطلوبة.  

وسط تلك الأجواء محيت امارة أفغانستان من الخارطة السياسية لتعود دولة أفغانستان التي فقدت طعمها الحقيقي بعد سنوات طويلة من الحكم الجمهوري والاحتلال الروسي والحرب الأهلية وعهد حركة طالبان القصير. لقد بليت أفغانستان ولم يملك شعبها الوقت لتجديدها. كل القيم الزائفة التي جلبها الأميركان معهم لم تكن إلا غطاء لهدفهم الرئيس وهو الانتقام وإعادة الهيبة إلى القوة الأعظم في العالم. ولكن بعد عشرين سنة من القتل والخراب هل الولايات المتحدة في وضع أحسن؟ لا أعتقد. الهزيمة واضحة المعالم والخيانة تزكم الأنف برائحتها النتنة. هل يكفي توطين مترجمي القوات الأميركية في قطر والكويت سببا لنسيان حجم ما سيحدث للشعب الافغاني الذي تواطأ مع الأمل والحلم والرغبة في أن يعيش حرا بعيدا عن تقديس امراء الجهل والظلام والفقه الأعمى؟

كانت مفاوضات الدوحة هي الباب الذي أفضى إلى أن يُعرض الشعب الافغاني في المزاد. "لقد حققت الولايات أهدافها" تلك جملة تثير السخرية. اما انتصار طالبان فهو أمر قد رُتب على عجل بحيث سارعت الولايات المتحدة إلى اجلاء مدنييها في كابول قبل أن تتكرر مشاهد سايغون.