ليس لليبيا مَن ينقذها سوى أبنائها

الاستهانة بالحوار السياسي وعدم التعامل معه ايجابيا سيكون بداية لأن تفلت خيوط اللعبة من أيدي الليبيين فيتحولوا إلى دمى تحركها القوى العالمية.
نظام القذافي يتحمل جزء من الأزمة الليبية
الشعب الليبي سيختار ان تكون بلاده اخوانية تركية او عربية

فاروق يوسف

في البداهة فإن ليبيا بلد ثري، هل كان شعبها مرفها يعيش في ترف ورخاء؟ لم تكن خطابات العقيد القذافي توحي بذلك. كان ترف العيش بالنسبة للأخ القائد مسألة ثانوية.

أربعون سنة قضاها الليبيون تحت مظلة الكتاب الأخضر الذي صرح مؤلفه وهو القذافي نفسه أن محتوى ذلك الكتاب هو أعلى من أن يصل إلى فهمه الليبيون.

وبالرغم من سذاجة الأفكار التي تضمنها ذلك الكتاب فقد وجدت طريقها إلى التطبيق في الحياة اليومية.

عاش الليبيون أربعين سنة من غير دولة ولا مؤسسات.

كانت ليبيا بلدا مغلقا. لم يكن القذافي ملتزما بعقيدة دينية غير أن ليبيا لم تكن بلدا متحررا. كان كل شيء فيها يوحي مظهريا بالتزمت والتشدد الديني.

حين دفعت ليبيا تعويضات لأسر ضحايا طائرة لوكربي فقدت مصداقيتها بطريقة صادمة. لقد أعتقد القذافي أن تلك التعويضات ستدفن جريمته.

غير أن ملك ملوك أفريقيا لم يكن يتخيل نهايته.

هل كان يرغب في أن يترك وراءه دولة قوية وشعبا متماسكا؟

ما من شيء يشير إلى ذلك. العودة إلى خطاباته تدعو إلى اليأس في ذلك المجال. فالرجل كان معنيا بالسخرية من الآخرين ولم يلتفت إلى أحوال شعبه الذي طلب منه ذات مرة بنسيان النفط.

ترك القذافي وراءه دولة هشة وشعبا مقطع الأوصال.

ولأن ليبيا بلد شاسع المساحة فقد كان من الصعب أن يثق أهالي شرقها بأهالي غربها. لم تعد خيمة القذافي موجودة لتجمعهم عن طريق الخوف.

اخترع الأخ القائد طريقة لتسليتهم عن شؤون حياتهم فكانوا موحدين في سياق ما تريده الأجهزة الأمنية أما وقد اختفت تلك الأجهزة فإنهم ظهروا على حقيقتهم. تلك الحقيقة التي نشأت عبر أربعين سنة من حكم القذافي.

احتاج أهالي الغرب إلى اللغة التركية ليقولوا كلمتهم أما أهالي الشرق فإنهم التفتوا إلى مصر لتمنحهم لغتها.

ليبيا اليوم تعيش صداما بين لغتين. وهو ما يقرر مصيرها. اما أن تكون إخوانية أو تكون عربية. 

ولكن الفوضى التي تعيشها ليبيا تتخطى الصراع بين عالمين. عثماني وعربي بعد أن انفتح على العالمية. روسيا هناك كما أن فرنسا حاضرة ممثلة للإتحاد الأوروبي الذي يشعر أن مصالح دوله في البحر المتوسط باتت مهددة بسبب امتداد سواحل ليبيا على ذلك البحر وشساعة مياهها الاقليمية.

مَن يربح السباق في ليبيا يربح السباق في المتوسط.

كان القذافي يدرك تلك الحقيقة غير أنه لم يتعامل معها ايجابيا.

كل ما عاشته ليبيا من كوارث بعد سقوط نظام القذافي كان يعبر عن تجاذبات دولية وجدت في شعب غير متماسك وممزق غايتها.

الليبيون ضحايا الاختلاف في المصالح الدولية وهم في البدء ضحايا أربعين سنة من جنون الحكم الذي اقتلع ثوابت وطنية كثيرة وهز الشخصية الليبية ولا يزال يقف حائلا بينها وبين رؤية الحقيقة.

لقد صعب على الليبيين أن يبدأوا في بناء دولتهم الوطنية الحديثة التي حرموا منها عبر سنوات حكم القذافي. أخذتهم نزعاتهم الفردية وانتماءاتهم القبلية والجهوية إلى موقع، كان من اليسير اختراقه من قبل الآخرين.

تلك ثغرة لن يستطيع أحد أن يملأها مهما كانت رغبته صادقة في مد يد العون لليبيين وبغض النظر عن سلامة نيته.

الليبيون وحدهم في إمكانهم أن يفعلوا ذلك عن طريق الحوار بعيدا عن الاستقواء بالسلاح. فكيف إذا كان ذلك السلاح أجنبيا بأيدي مرتزقة سبق لهم أن قاتلوا في صفوف تنظيمات إرهابية مثل داعش وجبهة النصرة.

إن الاستهانة بالحوار السياسي وعدم التعامل معه ايجابيا سيكون بداية لأن تفلت خيوط اللعبة من أيدي الليبيين فيتحولوا إلى دمى تحركها القوى العالمية.