ليس من حق أحد أن يحتكر التفكير فلسطينيا

هناك سلطة فلسطينية فاشلة ستظل موجودة. وهي لن تتغير إلا إذا أنقذ الفلسطينيون أنفسهم من شبكة الخداع والكذب والاحتيال التي نصبت لهم من أجل أن لا يروا حقيقة المتغير السياسي في العالم.
المقاومة الفلسطينية صنعت مجدا من نوع مختلف لكن الوقائع خذلتها
القيادة الفلسطينية ضحت بأحلام الفلسطينيين من أجل أن تقيم سلطتها المهترئة
حزب الله وإيران استفادا من فشل السلطة الفلسطينية

هناك حقائق تاريخية عن فلسطين لا يمكن تخطيها. كما أن الفلسطينيين، وهم شعب حي ومتفائل، نجحوا عبر عقود من النضال والكدح والتضحية في أن يفرضوا أنفسهم على العالم باعتبارهم محاورين من طراز خاص في الدفاع عن قضيتهم.

الفلسطينيون ليسوا هنودا حمرا.

لقد اخترقوا كبرى الجامعات في العالم وكانوا دائما محط اعجاب بما تميزوا به من قدرات اعجازية على خلق النموذج المثالي للفرد المنتشي بوطنيته من غير مزايدات ولا ابتزاز. لم يكونوا ثقيلي الظل بل كانت خفتهم مثار اعجاب. الفلسطيني رجل أعمال ناجح وهو طبيب ومهندس وتقني وفي الصف الأول وقف المفكرون والشعراء والرسامون والروائيون والسينمائيون.

حفر الفلسطيني وجوده في الصخر. علينا ان نتذكر دائما منى السعودي التي صنعت تماثيل تجريدية للمقاومة من الصخر.

كان الروائي أميل حبيبي رمزيا في روايته "المتشائل". تلك شخصية تجمع بين التشاؤم والتفاؤل. إنها شخصية الفلسطيني في حله وترحاله. في هزائمه وانتصاراته. وكان حبيبي الذي قضى حياته كلها في حيفا يدرك أن السفر إلى بلاده سيكون طويلا.

لم يكن لدى السياسيين الفلسطينيين خيال حبيبي. لذلك اعتقدوا أن فلسطين تقع على فوهة البندقية. لم يكونوا على خطأ مطلق. لقد صنعت المقاومة الفلسطينية مجدا من نوع مختلف. غير أن الوقائع خذلتها. وهو ما يتحمل جزءا من تبعته سياسيون فلسطينيون وضعتهم الصدفة على رأس الصفحة.

لقد ظُلم الفلسطينيون مرتين. مرة حين وظفوا حياتهم من أجل تأكيد انتمائهم لأرض تم انتزاعها منهم بالقوة ومرة أخرى حين وهبهم القدر قيادات سياسية لا تملك الصبر على التماهي مع الحلم بتلك الأرض.

ليس خطأً القول إن القيادة الفلسطينية ضحت بأحلام الفلسطينيين من أجل أن تقيم سلطتها التي لا يمكن لأحد أن يدافع عنها. سلطة تبين في ما بعد أنها غير قادرة على الدفاع عن أفراد الأمن التابعين لها حين تقرر إسرائيل اهانتهم من خلال التعامل معهم باعتبارهم مجرمين.

كانت هناك مسافة بين الفلسطينيين والسلطة. لم تكن السلطة خلاصة التجربة الفلسطينية بل كانت كيانا زائفا أريد من خلاله الالتفاف على القضية الفلسطينية كما لو أنها كانت أمرا سياسيا بحتا.

اليوم إذ يتم كشف الأوراق التي تتعلق بسياسة منظمة التحرير فإن ذلك لا يعني موقفا سلبيا من الشعب الفلسطيني. اما الخلط بين الإثنين فإنه فعل مغرض. 

كان ادوارد سعيد قد اعترض على اتفاق أوسلو لذلك منعت كتبه في مكتبات رام الله بعد أن غضب عليه ياسر عرفات. كان السبب الحقيقي لذلك الغضب أن سعيد قد صرح في أحد مقالاته أنه كان قد حمل مشروعا للحل هو أفضل بكثير من اتفاق أوسلو ورفضته منظمة التحرير.

قائمة المرفوضات الفلسطينية واضحة. في مقدمتها الاعتراف بدولة إسرائيل. ولكن منظمة التحرير كانت قد اعترفت بتلك الدولة وعلى هذا الأساس أقامت سلطتها في رام الله.

لذلك فإن أي نقد سياسي يمكن أن يوجه إلى الفلسطينيين انما يوجه إلى النظام السياسي ولا علاقة له بالنضال الشعبي الفلسطيني. هناك نظام سياسي فلسطيني فاشل صار بمثابة عبئا على القضية الفلسطينية.

استفاد حزب الله من ذلك الفشل. استفادت إيران وهي تطلق شعاراتها الهوائية. غير أن كل ذلك لن يغير من الحقيقة في شيء.

واقعيا هناك سلطة فاشلة ستظل موجودة. وهي لن تتغير إلا إذا تدخلت إسرائيل ودول عربية ضاغطة من أجل ترشيدها واجبارها على أن تكون ممثلة لمصالح الفلسطينيين.

ذلك ما لا يمكن حصوله إلا إذا أنقذ الفلسطينيون أنفسهم من شبكة الخداع والكذب والاحتيال التي نصبت لهم من أجل أن لا يروا حقيقة المتغير السياسي في العالم.

ليست العاطفة سوى منزلق خطير إلى هاوية لا تصلح لمعرفة الحقيقة.

ثم مَن يتاجر بالقضية الفلسطينية وحده مَن يعمل على اخفاء الحقائق واحتكار القول الفصل كما لو أنه الطرف الوحيد التي يحق له التفكير فلسطينيا.