ليفني وبن مئير ينعيان علمانية اسرائيل

الاحباط الأكبر من إسرائيل هو إحباط اليهود الحالمين.

مؤخرا، اعلنت وزيرة الخارجية الاسرائيلية السابقة وزعيمة حزب كاديما، تسيبي ليفني، اعتزالها العمل السياسي. ليفني ادلت باعترافات، وصفت بالخطيرة، بشأن عملية السلام، التي تعثرت بعد هيمنة اليمين الاسرائيلي المتطرف على السلطة، ممثلا بنتنياهو ومن هم على شاكلته، اذ قالت ان نتنياهو كان قد وافق، من قبل، على عملية سلام مع الفلسطينيين، في عهد اوباما ووزير خارجيته كيري تقوم على مبدأ الانسحاب لحدود الخامس من حزيران 1967 وحل الدولتين.

قبل اعتزال ليفني، كنت قد قرات مقالا مثيرا لالون بن مئير، وهو كاتب اسرائيلي من اصل عراقي، نشر مؤخرا، وجاء تحت عنوان لافت: "خيانة وعد اسرائيل". قال في مستهله، انه وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية كتب اكثر من مئتي مقالة عن اسرائيل، مصورا اياها دولة ديمقراطية مستقلة وحرة. ومع مرور الزمن، (والكلام لـ بن مئير)، "شعرت بخيبة امل متزايدة من انقسام اسرائيل السياسي المزمن"، واصفا ذلك بالخطر المشؤوم على اسرائيل. بن مئير، يذكر في مقاله المطول ان الاحزاب الدينية التي انضمت الى جميع الائتلافات الي حكمت اسرائيل، حصلت على سلطة اكبر. ويخلص الى ان اسرائيل التي يحلم ان تكون علمانية، باتت تسير باتجاه الاصولية التي خلقت انقساما بين اليهود، لاسيما بعد تراجع نتنياهو عن وعوده، ورضوخه للحاخامات. ولعله يفصح عن خطورة الامر اكثر حين يقول "ففي حين يركز اليهود الأميركيون والأوروبيون على الليبرالية والمساواة والسعي إلى مجتمع أكثر تسامحًا، بقي اليهود الإسرائيليون منشغلين بالتهديدات المتصورة لأمنهم من إيران والتطرف الفلسطيني. وبينما يعارض اليهود الأميركيون الإحتلال إلى حد كبير ويأسفون بشدة على المعاملة السيئة للفلسطينيين، فإن الإسرائيليين، وخاصة من اليمين، ينظرون إلى الفلسطينيين على أنهم أعداء فاسدون ويبررون الإحتلال باعتباره ضروريًا للأمن القومي."

لقد تابعت قبل اشهر، فيلما تسجيليا عن الداخل الاسرائيلي، بثته قناة "الجزيرة الوثائقية"، ووجدت ان ماقراته في هذا المقال، يطابق تماما اقوال من تحدثوا في الفيلم عن استشراء الاصولية في اسرائيل، وهيمنتها على مفاصل الحياة العامة والسياسية على حد سواء، وكيف ان الناس هناك ضاقوا ذرعا بهذا الواقع، ومنهم بن مئير نفسه، الاسرائيلي المتحمس للدولة الديمقراطية المستقلة، كما كان يعتقدها، وهاهو اليوم يحصد الخيبة كغيره، بل يذهب الى ابعد من ذلك، حين يستعرض الخلافات العقائدية بين المذاهب اليهودية، واصفا ما يحصل بانه يقوض دور اسرائيل كقوة موحدة ليهود العالم، على حد وصفه. لكن الاخطر، ما يرد في معرض حديثه عن التداعيات التي يشهدها المجتمع اليهودي داخل اسرائيل، اذ يقول "وفي إسرائيل نفسها أصبحت الفجوة بين اليهود العلمانيين واليهود الأرثوذكس مقلقة بشكل متزايد. وقد تولت المؤسسات الحاخامية موقف إدارة جميع جوانب الحياة الدينية في إسرائيل، بما في ذلك الزواج والطلاق والتحول والصلاة على الجدار. على سبيل المثال، يجب على الإسرائيليين الذين يرغبون في الحصول على حفل زفاف غير أرثوذكسي أن يذهبوا خارج البلاد للزواج؛ وإلاّ لا تعترف بهم السلطات الحاخامية."

لا شك ان شخصا، يصف نفسه بالمخلص لاسرائيل، ثم يحبط الى هذه الدرجة، ويعرض اسباب احباطه، المتمثلة بالاحزاب الدينية اليهودية التي تريد ان تبني دولة يوتوبية على حساب حياة الاخرين واحلامهم، وان كانوا من العلمانيين المؤيدين للدولة اليهودية، يعني ان هذا الكيان بدأ بالتآكل من الداخل، لان قوام اية دولة هي النخبة المدنية، وان حصول فجوة كبيرة بين أي نظام سياسي وهذه النخبة، يعني ان الدولة اصبحت آيلة للخراب ان لم نقل للزوال. الاّ ان الاهم الذي يخصنا من كل هذه المعطيات المتمثلة بخيبة العلمانيين وانزواء او اعتزال بعض القوى السياسية المدنية، ليفني وامثالها، وان كانت الاخيرة، تنتمي اصلا لحزب يميني وبدأت حياتها جاسوسة للموساد، واعترفت بقتل عالم عراقي في باريس، واغوت شخصيات سياسية فلسطينية - او هكذا قيل - نقول، ان الاهم هنا، ان السلام المرتجى من هؤلاء، يستحيل تحققه، لانهم يعيشون في صوامعهم الظلامية، وان خروجهم منها يعني نهايتهم ونهاية نفوذهم في كيان، بني اصلا على اسطورة "ارض الميعاد" التي قال عنها مؤسس اسرائيل، بن غوريون، بما معناه؛ انه يعرف انها اسطورة وليست حقيقية، لكن يكفي اننا جعلنا اليهود يؤمنون بها واقمنا من خلالها دولة. فهل سيستمر سيل الاساطير، ام سيصطدم بواقع عالمي مختلف، وان انسان اليوم يريد ان يعيش الحياة كما هي، لاكما تتخيلها العقول المريضة، في اسرائيل او غيرها؟