ماذا عن المحتوى في عصر التلفزيون الذهبي

تيم كوك يدرك أن المشكلة في العصر الذهبي للتلفزيون تكمن في المحتوى وليس من لديهم تاريخ رائع كآبل.
العصر تلفزيوني بامتياز، بينما الاخبار ستبقى في الهامش

تبدو جملة “الأخبار صناعة بحاجة إلى التطوير وليس دق المسمار الأخير في نعشها” بحاجة إلى إعادة تأمل اليوم أكثر من أي وقت مضى، عندما تقوم أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، بإعلان موت الأخبار عن طريق إيجاد حياة متدفقة جديدة لصناعة المحتوى التلفزيوني.

العصر تلفزيوني بامتياز، بينما الأخبار ستبقى في الهامش، المحتوى الدرامي والبرامجي يحمل دهشته المتصاعدة، والنص الإخباري صار بين أيدي جيل الويكيبيديا.

عندما يعلن تيم كوك رئيس آبل أن شركته تؤمن بشدة بقوة الإبداع، فهذا تعبير على أن الأخبار لا تندرج اليوم ضمن خطط الإبداع التي اشتغلت عليها آبل مستندة على قاعدتها المؤلفة من 1.4 مليار جهاز تلفزيون من تصنيعها أمام عيون المشاهدين في العالم.

لم يقل تيم كوك أن الأخبار ماتت وعرض منصة رقمية تجمع المطبوعات لتسهيل تصفحها “كبرى الصحف رفضت الانضمام للمنصة”، لكن آبل بمواردها المالية الهائلة تتحدث اليوم عن صناعة تلفزيونية جديدة لا تضع في حسابها المحتوى الإخباري.

دعونا نَعُدْ إلى عقد إلى الوراء عندما استضاف إمبراطور الإعلام روبيرت مردوخ في مكتبه الفخم في وول ستريت، مدير آبل الراحل ستيف جوبز من أجل مشروع أحيط بسرية كاملة في زمن تكنولوجي يتغير بين ساعة وأخرى.

كان هاجس مردوخ الأخبار وصناعتها بوصفها الطريقة المثلى آنذاك لتغيير مزاج الجمهور، وبالفعل انطلق موقع آي نيوز بعد آي فون وآي باد، صحيفة إلكترونية إخبارية كانت تطمح إلى الإبهار بالنص والصورة، في وقت كان الشغف لم يتراجع بعدُ بهواتف آبل.

ولدت آي نيوز في زمن مردوخ وجوبز، من دون أن تصنع مستقبلها في عصر تكنولوجي متغير تتسابق فيه الشركات الكبرى في اللعب على تغيير رغبات الناس.

وبعد سنوات لم يبق من آي نيوز، غير اللقاء الذي جمع مردوخ وهو يحتسي كأس الكونياك الثمين مع ستيف جوبز الذي لم تسمح له صحته بغير شرب عصير فاكهة الجنة! بينما تلاشت فكرة المحتوى المتميز ولم تنجح الصحيفة الإلكترونية بوصفها أحدث البدائل للصحافة الورقية التي دخلت قبل ذلك في السوق المريضة.

رحل ستيف جوبز، ودخل مردوخ في وحل تنصت صحفه على المشاهير، وتراجعت خططه عن صناعة محتوى متميز إلى حدّ أن أشهر صحفه الشعبية “ذي صن” أعادت في ما بعد تقديم محتواها مجانا إلى المستخدمين بعد أن فشلت في بيعه.

كانت تلك التجربة مثيرة بالنسبة إلى شركة تفوق ميزانيتها ميزانية أكبر دول العالم، لذلك قال تيم كوك هذا الأسبوع وهو يعلن عن خدمة “آبل تي.في” بأنهم يؤمنون بقوة بالإبداع، أما الأخبار فهي صناعة لم تنجح بعدُ في إعادة تأهيل نفسها، لذلك تبدو بالنسبة لآبل خدمة بلا إبداع.

هذا يفسر لنا لماذا استعانت الشركة بمشاهير هوليوود في الصناعة التلفزيونية والسينمائية وهي تروج لمشروعها الجديد الذي يتوقع أن يكون له أثر لافت في سوق خدمات الفيديو بالبث التدفقي التي تشهد منافسة محمومة بين عدد كبير من الشركات بينها نتفليكس وأمازون على أن تنضم إليها قريبا شركات كبرى أخرى مثل ديزني.

عندما جعل تيم كوك آبل العلامة التجارية الأكثر قيمة في العالم، فإنه لا يريد التفريط في هذا النجاح، مع تنامي الشعور العام بأن صناعة آبل للأجهزة تكاد تكرر نفسها، وإصدارات آي فون الجديدة لا تلقى نفس الاهتمام السابق، علينا أن نشير هنا إلى الفشل الذي لاقته ساعة آبل… وهذه أخبار سيئة بلا شك، لذلك فكرت الشركة بصناعة أخرى لم تكن هي الرائدة فيها، كما كان يفعل الرؤيوي الراحل ستيف جوبز في قراءة المستقبل. تلفزيون آبل كان خطة جوبز، لكنها تحققت بعده، وبعد أن تقدمت فيها شركات منافسه.

كان آي فون المنتج الاستهلاكي الأكثر نجاحا في جيله، حيث تم بيع أكثر من ملياري جهاز، الأمر الذي ساعد آبل على جمع 245 مليار دولار -أي ما يعادل تقريبا الناتج الاقتصادي السنوي للبرتغال- لكن المبيعات تتباطأ، فقد أعلنت الشركة عن انخفاض في الإيرادات والأرباح منذ أكثر من عقد مع تراجع مبيعات الهواتف.

وهكذا دخل تيم كوك الذي تولى إدارة الشركة عام 2011، مضمار مستقبل التلفزيون متأخرا عن أمازون ونتفليكس، الأمر الذي يعبر عن المشاكل التي بدأت تتصاعد داخل أروقة آبل.

وكما يبدو أن كوك يعول على 360 مليون مشترك عبر خدمات آي تونز وآبل ميوزيك ومتجر آبل للتطبيقات وأي كلاود، وهو قطاع حقق إيرادات قياسية وصلت إلى 10.9 مليار دولار في الربع الأخير من العام 2018، لكن هذا الرقم لا يزال جزءا صغيرا من إجمالي إيرادات الشركة البالغ 84.3 مليار دولار.

لذلك يرى الاستشاري التكنولوجي ماكس وولف المراقب لأداء شركة آبل، أن تيم كوك يريد في هذا الإطلاق الجديد للخدمة التلفزيونية الإبقاء على المشتركين في “حديقة آبل المسورة”، متوقعا أن الشركة أقل عرضة لتخلي الجمهور عنها. لكنه لا يرى أن ما حدث يوم الاثنين الماضي في مسرح ستيف جوبز المؤلف من ألف مقعد في الحرم الجامعي لشركة آبل في كاليفورنيا، يمكن أن ينهي مشاكل الشركة بعد تراجع مبيعات آي فون.

وكما يبدو أن تيم كوك محق في خلق مساحة لشركة آبل وهو يراقب نتفليكس وغوغل تنفق المليارات في صناعة إعلامية تلفزيونية، لكن في النهاية عليه أن يدرك أن المشكلة في العصر الذهبي للتلفزيون تكمن في المحتوى وليس من لديهم تاريخ رائع كآبل.