ماذا يريدون من حكومة إقليم كردستان؟

يقف الكردي أمام تحدي الإبقاء على التعايش أو الوقوع في فخ الانقسام.

رغم أن الكلام العشوائي الذي نسمعه من نواب وقيادات الأحزاب الكردستانية غير المشاركة في حكومة الإقليم، لا يغادر مربع التسقيط السياسي ونشر الإرباك وتعطيل المشهد والحياة السياسية، لأنه كلام مليء بالنقد غير البناء، وبعيد عن طرح البدائل عبر القنوات القانونية والدستورية ولا يكشف أوراق ونظرة أصحابه للسلطة، ويقدم نفسه على الدوام بأنه صاحب المشروع الوطني القادر على مواجهة التحديات وحل كل المشكلات. وهو محاولة يائسة لتقديم "البعض" كمصلحين وواعظين وطنيين، وكأوصياء الصواب السياسي، وتعبير واضح عن السعي المحموم لتعزيز الحظوظ واستقطاب أصوات الناخبين من خلال رسم خرائط وهمية لتحالفات محتملة لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة في كردستان. ورغم ما يحمله من شوائب الفكر السياسي، إلا أنه أفضل بكثير من كلام بعض نواب أحزاب كردستانية مشاركة في حكومة الإقليم، يحاولون خلط الاوراق في سبيل التمتع بامتيازات السلطة وممارسة المعارضة معاً في سبيل نفوذ ومصالح وطموحات شخصية وحزبية ضيقة.

تكمن مشكلة الفئة الثانية (أي بعض نواب أحزاب كردستانية مشاركة في حكومة الإقليم) في انّهم لا يجيدون سوى الكلام الكثير الذي يثير الازدراء والنقمة ويغذي الكراهية ويمزق التعايش، ولا علاقة له بالواقع وما يدور في أروقة حكومة الإقليم وعلى أرض كردستان وما يجري في المنطقة والعالم. فلا هم قادرون على استيعاب معنى المشاركة في الحكم والمحافظة على العلاقة مع الأحزاب الاخرى المشاركة معهم، ولا هم قادرون على اختيار المعارضة لكي يكون الرابط الوطني عندهم فوق الرابط السياسي. لذلك، يحاولون إيقاع البسطاء في فخ الوهم والدعاية المضللة وجعلهم ضحايا للتشويش الرخيص في زمن يطغى فيه الشك على اليقين، ويحاولون توتير الأجواء وبثّ الشائعات المغرضة، وإرساء معادلة سياسية عجيبة لا تستقيم مع الروابط والقيم الوطنية وروعة التسامح والألفة والدفء الاجتماعي. ولا يدركون استحالة الجمع بين المشاركة في الحكم والتمتع بامتيازات السلطة وممارسة المعارضة.

أما المواطن الكردستاني الذي يتمتع بذهنية ذكية وعقلية مستنيرة ونفسية نظيفة، والبعيد عن آفات التعصب والانغلاق، فقد اختبر مصداقيتهم في تجسيد شعاراتهم الرنانة، التي رفعوها سابقاً، ويروجون لها حالياً، وشاهد سقوط أوراق التوت عنهم في أحلك الظروف، سواء حين وصول داعش الى أطراف أربيل، أو بعد انقلاب حيدر العبادي على الدستور واستيلائه على كركوك وأجزاء من المناطق الكردستانية بقوة السلاح والدعم الأجنبي، أو خلال تعامل بعض الأحزاب الشيعية مع المشهدين السياسي والاقتصادي بعقلية السيطرة والإقصاء للكرد، وخلال السباق المحموم للطبقة السياسية الحاكمة التي رسمت برنامجًا غير معلن لما سموه "إقليم شمال العراق" أو "محافظات شمال العراق" في سبيل السيطرة على كل المفاصل وجني المكاسب السياسية والمادية اللامشروعة وتدمير الإقليم وإلغاءه بالكامل. كما إنه يدرك جيداً، ولله الحمد والشكر، أن السلوك السياسي السيئ للمعادين لحكومة الإقليم وشعب كردستان والمبررات غير الأخلاقية تهدف الى تنشيط وترسيخ ظاهرة العداء لكل المنظومة القيمية الكردستانية. وهو امتداد طبيعي للسياسات التي لا يجنى منها أحد سوى ديمومة الانقسام والصراع، ويعلم أن هذه الظاهرة تدل بكل بساطة على غياب القيادة السياسيّة لهؤلاء، لا أكثر ولا أقلّ.