ما الذي فعلناه بالسياسة لكي تحكم علينا بالفشل

تحول الاهتمام السياسي لدى العرب إلى دائرة غباء مغلقة.
سيكون عليك أن تستمع إلى نشرة أخبار كُتبت من أجل أن يبدو العالم أكثر غموضا
زعماء عرب صنعوا عالما وهميا لا علاقة له بالسياسة لكنه العالم الوحيد الذي وهب الشعوب شعورا دافئا
كانت مقولة "الإنسان حيوان سياسي" نوعا من السخرية السوداء غير أنها تحولت في الحياة العربية إلى حقيقة

"كما لو أن الحياة ليست سياسة" تلك فكرة ليست متداولة في الحياة العربية. كانت السياسة وباء وبلاء بالنسبة للعرب عبر سبعين سنة على الأقل من حياتهم المعاصرة فكانت الحياة بالنسبة لهم سياسة. والسياسة بالنسبة لهم هي عبارة عن مجموعة متلاحقة من المؤامرات والدسائس.

لقد وقعت السياسة مثل صاعقة على رؤوسهم فغيرت برامج العمل في أدمغتهم. صاروا بعدها ينظرون سياسيا للزلازل التي تقع تحت أقدامهم كما لو أنهم خبراء بالطبقات الأرضية. معرفتهم بما سيحدث كانت تفوق قدرتهم على أن يتفادوا السقوط في الشقوق التي تقع في طريقهم. ابتلعت تلك الشقوق الكثير منهم حين قرروا أن ينضموا إلى جحافل الجيش الأممي الذي تشرق شمسه من تيرانا.

شيء خيالي يمكن أن يقع في كل مكان عربي. أن ترى أثنين وهما يسبقان الانتخابات الأميركية في الوصول إلى نتائجها. أو تنصت إلى جدل صاخب يتعلق بمستقبل الاتحاد الأوروبي بعد "بريكست". ذلك ما لا يمكن ان يهتم به أميركيان أو أوروبيان يلتقيان في مقهى.

السياسة تقف بين المرء ونفسه في العالم العربي.

حين يسألك زميلك في العمل "ما الذي يحدث؟" فإنه يقصد ما معنى ما يحدث في العالم من وقائع سياسية. وليس ذلك السؤال إلا تمهيدا لاستعراض خبرة نائمة. سيكون عليك أن أن ترى العالم بعيني زميلك. لكنه عالم تجريدي لا علاقة له بما يحيط بك من أشياء. سيكون عليك أن تستمع إلى نشرة أخبار كُتبت من أجل أن يبدو العالم أكثر غموضا.

لا حديث لدى العرب أكثر إثارة من الحديث في السياسة كما لو أنه غرام متأصل. لا يوقف الفشل السياسي العربي ذلك الغرام ولا ينقص منه شيئا. غالبا ما ينظر العرب إلى سياسييهم باعتبارهم ضحايا للنظام العالمي. هناك مَن ينظر باعجاب إلى بلاغة بشار الجعفري ممثل سوريا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في خطاباته التي هي ليست سوى عجين لغوي.

كانت السياسة ولا تزال بالنسبة للعرب عبارة عن خطب عالية الصوت، فارغة المحتوى.

ذلك ما تعلمه الناس العاديون من زعمائهم المحبوبين.

لقد دخلت الحياة السياسية في العالم العربي في متاهة متشابكة الدروب بسبب خطابات الزعماء الذين تحولوا إلى رموز تاريخية. جمال عبدالناصر، معمر القذافي، ياسر عرفات، صدام حسين على سبيل المثال.

كلهم صنعوا عالما وهميا لم يكن له علاقة بالسياسة غير أنه كان العالم الوحيد الذي وهب الشعوب شعورا دافئا بأنها لا تزال ممسكة بالعصا التي تشير إلى المعادلات السياسية المكتوبة على اللوح الدراسي الأسود.

تلك لعبة سيكون لها أثرها في صنع وصفات جاهزة في علم السياسة العربي. تلك وصفات تقوم على الترويج النظري وليس على التصريف العملي.

في سياق تلك الوصفات هناك مَن يروج لإردوغان باعتباره عدوا لإسرائيل فيما ترتبط تركيا باتفاقيات استراتيجية معها. هناك مَن يراهن على حركة حماس لهزيمة إسرائيل بالرغم من أن غزة صارت مسألة إنسانية تستجدي من خلالها حماس المساعدات الإنسانية. هناك مَن يرى في يوم القدس الإيراني بشارة لتحرير المدينة المقدسة في الوقت الذي قتلت إيران مئات الالوف من العرب ولم تقتل اسرائيليا واحدا.

لقد تحول الاهتمام السياسي لدى العرب إلى دائرة غباء مغلقة.   

كانت مقولة "الإنسان حيوان سياسي" نوعا من السخرية السوداء غير أنها تحولت في الحياة العربية إلى إلى حقيقة يتعثر بها المرء اينما مضى. ومما شجع على استفحال تلك الظاهرة أن يتحول عاطلون باحثون عن العمل إلى رؤساء حكومات ووزراء ونواب وأصحاب مناصب خاصة وسفراء.

غالبا ما كانت السياسة في العالم العربي مهنة مَن لا مهنة له. تلك حكمة كارثية تقف وراء فشلنا السياسي.