ما هذه المرجعية التي لا يرجع إليها أحد؟

إذا ما كانت المرجعية تدعو الشعب إلى التصالح مع الفقر فإنها لم تبد استغرابها لتكدس الثروات لدى "أبنائها" في الحكم الذين يمارسون اللصوصية جهارا.

خاب ظن الكثيرين في إمكانية أن تتدخل المرجعية الدينية بالنجف من أجل تحسين سلوك السياسيين الذين صاروا عنوانا للفساد في العراق.

كانوا على خطأ حين اعتقدوا أن كلمة من المرجعية يمكنها أن تقلب المعادلة لصالح الشعب فيبدأ أولئك السياسيون بالإصلاحات الضرورية لكي يتمكن الشعب العراقي من العيش الكريم.

انطوى انتظار كلمة المرجعية على التضليل الذي مارسته قوى كثيرة ومنها المرجعية نفسها من أجل أن لا يبادر الشعب إلى الانصات إلى صوت ضميره الحي ويتأكد من أن مرجعية النجف لا تملك أن تقول كلمة الفصل، لا لشيء إلا لأنها واحدة من مؤسسات النظام الفاسد. فهي مؤسسة فاسدة أريد لها أن تلعب دورا في إلهاء الشعب وتعطيل إرادته.

موقف المرجعية من الصراع الدائر بين السلطة الجائرة والشعب الذي سُلبت ثرواته وانتهكت حقوقه صار واضحا، في الوقت الذي حاولت فيه تلك المرجعية أن يتسم موقفها بالغموض كسبا للوقت الذي يعتقد الشعب أن لا يمر لصالحه.

لقد وعدت المرجعية غير مرة بالتصدي للفساد والفاسدين غير أنها ظلت تطالب الشعب بضبط النفس من غير أن تنتقل إلى مرحلة الوقوف معه وإعلان يأسها الصريح من الإصلاحات. ذلك لأن الفساد استمر ولا يزال الفاسدون ينعمون بامتيازات لا سابق لها في الحياة السياسية في أي مكان من العالم. وهو ما يعني حرص المرجعية على أن يبقى كل شيء على حاله.

ما تعنيه دعوة الشعب إلى ضبط النفس والاستمرار في الصبر من غير دعوة الفاسدين إلى التخلي وبشكل معلن وصريح عن امتيازاتهم التي يحصلون عليها على حساب الشعب تنطوي في حقيقتها على دعوة الشعب إلى الاستسلام والتراجع عن حقوقه وتكبيل أجيال مقبلة من العراقيين بقيود عبودية من نوع جديد. هي تلك التي يمارسها الفاسدون.

حين تدعو المرجعية الشعب إلى الصبر على ما يدخل في قائمة الأشياء التي تهين الكرامة الإنسانية فإن ذلك يعني أن تلك المرجعية لا تنظر إلى العراقيين باعتبارهم بشرا يليق بهم العيش الكريم والتمتع بثروات بلادهم.

كانت المرجعية ولاتزال تنظر من موقعها العالي إلى العراقيين باعتبارهم عبيد كلمتها وهو أمر يتناسب مع غموض الدور الذي تؤديه على المستوى الديني خلافا على ما تنص عليه النصوص الإسلامية التي ترفض الكهنوت وتدعو إلى أن تكون علاقة الإنسان بخالفه مباشرة من غير وسيط.

هناك الكثير من سوء الفهم الذي جعل المرجعية الدينية "الشيعية" تحتل مكانا ليس من المسموح لها دينيا أن تحتله. وهو ما دفعها إلى أن تلعب دورا يُقال إنه سياسي غير أنه في حقيقته دور خدمي تقوم من خلاله تلك المرجعية بخدمة السلطة الفاسدة وحماية الفاسدين.

وإذا ما كانت المرجعية تدعو الشعب إلى التصالح مع الفقر فإنها لم تبد استغرابها لتكدس الثروات لدى "أبنائها" في الحكم الذين يمارسون اللصوصية جهارا من غير أن يمنعهم نموذج الامام علي بن أبي طالب في الزهد والحياة المتقشفة واستشهاد الحسين وفاء للمبادئ من القيام بذلك.

لم تكن المرجعية تنظر إلى الشعب العراقي باعتباره صاحب حق يسعى إلى استرداد حقوقه بل هو من وجهة نظرها جزء من معادلة سياسية ينبغي المحافظة على استقرارها من أجل أن يستمر الفساد في الأرض بحجة "التعجيل بظهور المهدي المنتظر".

وبما أن الأوضاع في العراق تسير من سيء إلى أسوأ فإن كل كلام عن الكلمة الفصل التي ستنطق بها المرجعية هو نوع من التضليل الذي ينطوي على الكثير من السخرية من مطالب الشعب.           

لو أن المرجعية اعترفت أنه لا سلطة لديها على الفاسدين لكان من الممكن اعفاؤها من تهمة المشاركة في الفساد، غير أنها في كل مرة يثور فيها الشعب تظهر كما لو أنها تملك كلمة السر التي ستقلب الأوضاع رأسا على عقب. وهو ما لم يحدث ولن يحدث.

لقد آن الأوان للاعتراف بأن تلك المرجعية ليست نافعة للشعب ذلك لأنها مرجعية لا يرجع إليها أحد وما هي سوى واجهة أخرى للفساد.