ما يُخطط.. في تركيا للثورة السودانية

مشروع قائم ومسيطر منذ ثلاثين عامًا استطاع بالمناورات والخداع اختراق الجيش وتوظيف قطاع منه لحساب جماعة الإخوان ورعاتها الإقليميين وتم تفعيل العديد من الاتفاقيات التي تتيح للحكومة التركية الاستفادة من نسبة ضخمة من ثروات السودان.

بقلم: هشام النجار

يسعى النظام التركي لاستنساخ نموذج ما بعد عزل جماعة الإخوان بمصر عن السلطة بالسودان، عبر استقبال الهاربين من قيادات النظام السوداني المعزول للإعداد لمرحلة الثأر من الجيش والشعب اللذين أسقطا مشروع الجماعة.

يمر الرئيس التركي بمرحلة عصيبة، فوكلاؤه وحلفاؤه يتساقطون الواحد تلو الآخر، ويُعد إسقاط البشير بثورة شعبية انحاز لها الجيش ثاني أقوى الضربات بعد عزل محمد مرسى بمصر، ولذلك فهو يخطط لامتصاص ضربة فقدان حليفه الإخواني بالسودان عبر تدعيم صفوف الإسلاميين الهاربين لديه، وكذلك تعويض خسارته مشروع النهب المقنن لثروات السودان الذى أداره الرئيس السوداني المعزول، عبر استقبال الفاسدين الهاربين بالأموال المنهوبة لضخها داخل منظومة الاقتصاد الأسود التي يديرها أردوغان والدائرة المقربة منه حول العالم والتي تعتمد على تبييض الأموال والتهريب والصفقات المشبوهة وتمويل الإرهاب. لا يمكن الاستخفاف بما جرى فعزل الجيش السوداني للبشير يعنى تقويض مخططات الإدارة التركية المتعلقة بالاستيلاء على ثروات المنطقة العربية واستعادة ماضي السلطنة العثمانية التي اعتمدت على ارتهان المنطقة العربية وثرواتها وكنوزها وكوادرها العلمية والمعرفية لمصلحتها.

يتعلق الأمر في السودان عكس الحال في غيره بمشروع قائم ومسيطر منذ ثلاثين عامًا استطاع بالمناورات والخداع اختراق الجيش وتوظيف قطاع منه لحساب جماعة الإخوان ورعاتها الإقليميين، وتم تفعيل العديد من الاتفاقيات التي تتيح للحكومة التركية الاستفادة من نسبة ضخمة من ثروات السودان، وصارت السودان بفضل انتماء نظام حكمها لجماعة الإخوان أسرع نظام عربي تخترقه الأطماع التركية، كمركز للانطلاق لبسط الهيمنة على مفاصل القارة الإستراتيجية المهمة.

في عهد البشير تم تمكين النظام التركي من السيطرة على آلاف الأفدنة من أجود الأراضي الزراعية لمدة تسعة وتسعين عامًا مقبلة، بما يمنح الجانب التركي فرصة الاستحواذ على الثروة الزراعية السودانية التي تتميز بجودة منتجاتها بأسعار زهيدة، علاوة على تمكين أردوغان من إحراز انجاز جيوسياسي خطير عندما أهداه البشير موطئ قدم إستراتيجي يتوسط قناة السويس ومضيق باب المندب وهو جزيرة سواكن التاريخية. كانت تركيا بالاستيلاء على الجزيرة السودانية الإستراتيجية بطريقها للتوسع وبسط النفوذ بالبحر الأحمر عبر الحضور العسكري المباشر بقرب ساحات الصراع وهو ما يمنحها القدرة على موازنة نفوذ القوى الإقليمية المنافسة، كما يتسبب في توتير العلاقات العربية بما يخدم مصلحة تركيا في إضعاف فرص التلاحم العربي، وكانت الجزيرة عنوانًا لمخطط أردوغان الذى كان يجهز لإعلانه في العام 2022م، والذى يقضى بنشر آلاف الجنود في سواكن بحجة حماية الحلفاء تمهيدًا لإعلانها قاعدة عسكرية تركية.

إذن تفقد تركيا الأردوغانية الكثير مع كل نجاح تحققه الثورة السودانية، فالعلاقات الجديدة التى تتشكل بين الجيش والشعب وبين الجيش والقوى السياسية وطليعة الثورة والتى تطغى على أى علاقة أخرى مع طرف خارجي من شأنها استئصال ظواهر الإرهاب والفساد والأخونة والتبعية لقوى إقليمية توسعية، وهو ما يعنى إلغاء اتفاقيات البشير وأردوغان الاقتصادية والعسكرية والمخابراتية ذات البنود السرية وإعادة السودان علاقاته الطبيعية مع أشقائه العرب.

سيحرص نظام أردوغان عبر أدوات بالداخل السوداني وأخرى يعمل على تجهيزها بتركيا على غرار ما صنعه بإخوان مصر الهاربين، على إعاقة التلاحم الشعبي مع الجيش وإفساد العلاقة بين الثوار والقوى المدنية والجيش، بهدف يأس السودانيين من ثورتهم وإفقادهم الثقة في مسار التغيير ومحاولة إعادة إنتاج نظام البشير الإخواني بوجوه وأسماء مختلفة. لدينا في مشهد الثورة السودانية جيش وطني يدرك أهمية تلاحمه مع الحراك الشعبي الذى أدى الدور الأهم في إسقاط الديكتاتور الإخواني، ولدينا الشعب وطليعة قوى الحرية والتغيير التي تدرك أهمية إسهام الجيش في إنجاح إسقاط رأس السلطة وأهمية أدواره المستقبلية المصيرية في إنجاح المرحلة الانتقالية وإحداث التغيير المأمول دون وقوع احتراب أهلي.

بحسب وصف بيتر فايس: وضعنا ماكينة الثورة لكننا لا نزال نجهل طريقة استعمالها، ففشل الثوار في وضع الخاتمة الملائمة لواقعهم والمتممة لتضحياتهم هو ما يفسح المجال للمأجورين وعملاء الخارج لحرف الثورة عن مسارها، وفي مشهد الثورة المضادة الذى عبرت عنه نظريًا تصريحات قيادات جماعة الإخوان الأخيرة من تركيا وعمليًا الهجوم المسلح المتكرر على مقر الاعتصام، لدينا تركيا كمرتع للهاربين من المحاسبة الذين سيتحولون لمحرضين على العنف ومخططي وممولي إرهاب من الخارج، وعناصر متربصة للتخريب وخلق الانقسامات والفتن في الداخل.

ستنتصر الثورة السودانية إذا استمر تلاحم الشعب والجيش وطليعة الثورة، وإذا نجح السودانيون الوطنيون مع الجيش في التأسيس لدولة عصرية منفتحة على العالم تفخر بانتمائها العربى وتهتم بمصالح ورفاهية شعبها، وإذا صعدت قيادات شابة واعية تعرف من هو عدو السودان ومن صديقه، ساعتها تُصفي تركة نظام البشير وتخرج بلاد النيلين من أسر الإخوان، وترد مخططات أردوغان إلى صدره.

نُشر في الأهرام المصرية