متاهات عراقية من غير أبواب للخروج

صفقة أم قصر ليست في صالح الكويت في كل الأحوال.

لا تولي الحكومة العراقية، أية حكومة كبير اهتمام لما ترثه من مشكلات مستعصية الحل من الحكومة التي سبقتها. تبقى الملفات سواء كانت مفتوحة أو مغلقة عالقة في مكانها كما لو أن يدا خفية ستمتد إليها وتفك عقدها. تلال من الملفات. كل حكومة تركت وراءها تلاً وهي تدرك أن الحكومة التي ستليها لن تملك الوقت لكي تلتفت إليه.

وليست حكومة محمد شياع السوداني استثناء في ذلك.

لم يمض وقت طويل على تشكيلها حتى انفجرت أزمة الدولار لتكشف عن ضعفها في مواجهة العصابات التي تقوم بتهريب العملة الصعبة إلى إيران. مصارف أهلية تشتري الدولار بأقل من سعره الرسمي ليبدأ رحلته إلى إيران من خلالها. ولكن هناك مَن اتهم الحكومة بالتواطؤ مع تلك العصابات من خلال تسهيل عملها.

لا تزال أزمة الدولار تتفاعل من خلال انهيار سعر صرف الدينار العراقي لذي ينعكس سلبا على أسعار الأغذية والبضائع الاستهلاكية حتى انفجرت أزمة أم قصر. وهي مدينة عراقية تقع عند الحدود الكويتية. لقد فوجئ العراقيون     

بأخبار تؤكد أن حكومة السوداني تنازلت عن تلك المدينة للكويت باعتبارها أرضا كويتية.

ذلك الخبر صادم على كل المستويات. في حرب الثمان سنوات حاول الإيرانيون احتلال أم قصر ولم ينجحوا وفي الغزو الأميركي البريطاني عام 2003 قاومت أم قصر كما لم تقاوم مدينة عراقية أخرى. غير أن الأهم من كل ذلك أنه ما من عراقي من كل الأجيال إلا ويعرف أن أم قصر عراقية ولا مجال للنقاش في تلك البداهة.

كل التعليقات الحكومية العراقية لا تنفي الخبر ولا تؤكده. وهو ما يعني أن هناك مكيدة ما تتم حياكة نسيجها من أجل أن يفقد العراق جزءا عزيزا من أرضه. لم يكن هناك ملف شائك ومعقد. لم تطالب الكويت بأم قصر علنا. وهي لا تجرؤ على القيام بذلك للأسباب التي ذكرتها. هل هناك صفقة مريبة بين إيران والكويت؟ هناك مَن يقول إن أزمة أم قصر أثيرت من أجل التغطية على أزمة الدولار.

في الحالين الخاسر هو العراق.

ولكن ماذا عما سُميت بـ"سرقة القرن"؟ تلك تسمية مجازية لا يمكن استعمالها في بلد مثل العراق. فالنظام السياسي كله قائم على السرقة. نهب أموال العراق هو الأساس الذي أقيمت عليه معادلة الحكم الطائفي في العراق. ذلك ما أقرته سلطة الاحتلال الأميركي وصارت إيران ترعاه بميليشياتها التي صار لها حصة في الحكم، إذا لم نقل إنها تحكم في ظل سيطرة تحالف الإطار التنسيقي على الحكومة.

تطالب الحكومة العراقية من خلال جهاز الشرطة الدولية الحكومتين الأميركية والبريطانية بتسليم عراقيين يحملون جنسيات الدولتين بتهمة سرقة مليارين ونصف المليار من الدولارات. وما ذلك المبلغ إلا قطرة في بحر السرقات التي تُمارس بشكل قانوني في ظل نظام المحاصصة. فهل علينا أن نصدق أن الحكومة العراقية جادة في مسعاها في مكافحة الفساد؟

أعتقد أن ذلك مجرد غطاء للصفقة المريبة التي جرى ابرامها مع الكويت. وهي صفقة ليست في صالح الكويت في كل الأحوال. فالعراق الضعيف اليوم لا يمكن أن يستمر ضعيفا إلى الأبد. الدولة التي تعرضت للغزو الغاشم بسبب خلاف على آبار النفط كان عليها أن تتجنب الدخول طرفا في مسألة ستكون سببا لحرب لا معنى لها. 

ليست الكويت في حاجة إلى ميناء أم قصر. نقطة رأس سطر كما يُقال. أما الحكومة العراقية الحالية فلا أعتقد أن عمرها سيطول إذا ما استمر إصرارها على المساهمة في تهريب الدولار من خلال تسهيل عمل العصابات المتخصصة بذلك وإذا ما صحت رواية استيلاء الكويت على أراض عراقية هي جزء تاريخي ورسمي من خارطة البصرة.

اما الحكاية الهزيلة التي تتعلق بأربعة مطلوبين من بريطانيا والولايات المتحدة فإنها لن تقنع أحدا. فهي أصغر من أن تسد ثقبا عظيما في جدار الوطن. تلك قضية يمكن أن يتابعها القضاء من غير ضجة إعلامية. الحكومة العراقية صنعت منها قضية وطنية. وفي ذلك ما يشير إلى هدف مبيت، لن يكون من الصعب العثور عليه.

تبني حكومة السوداني بالرغم من عمرها القصير تلا من المشكلات يكاد أن يكون هو الأعلى في تاريخ النظام الطائفي. وهو ما يريح نوري المالكي الذي هو ملك الفساد في العراق.