متحف فن التحنيط .. إعجاز الفراعنة

على مسافة ليست بعيدة من أهرامات الجيزة، وعلى شاطئ النيل بالقرية الفرعونية يقف متحف التحنيط شاهداً قوياً على عبقرية المصري القديم.
العلم الحديث لم يستطع حتى الآن معرفة أسرار علم التحنيط
المتحف يضم استنساخا لعدد من التوابيت الفرعونية

القاهرة ـ من أحمد مروان

متحف فن التحنيط نزهة حضارية وعلمية، تمر فيها من خلال القرية الفرعونية، حيث تتعرف على حياة الفراعنة في هذا العالم الذي يميزه سحره الخاص ومدى اهتمامه بحياة الإنسان في حياته، ولكن اهتمام المصريين القدماء بالإنسان بعد الموت كان أكبر بكثير منه وهو حي، لاعتقادهم بعقيدة البعث والخلود، وربما كان هذا مبعث ثورتهم العلمية في مجال التحنيط لحفظ موتاهم ورغم التقدم المذهل الذي شهده العالم، إلا أن العلم الحديث بكل ما امتلكه من تكنولوجيا لم يستطع حتى الآن معرفة أسرار هذا العلم التي لم تكتشف بعد، ولذلك يعد هذا المتحف محاكاة طبيعية لحياة الفراعنة .
على مسافة ليست بعيدة من أهرامات الجيزة، وعلى شاطئ النيل بالقرية الفرعونية يقف متحف التحنيط شاهداً قوياً على عبقرية المصري القديم، وأنت في طريقك إلى داخل المتحف تنتابك الرهبة، ولما لا وأنت مقبل على مركز الإعجاز والعبقرية وربما السحر الفرعوني! تشعر وأنت واقف في هذا المكان حيث تتصافح الخضرة مع مياه النيل وتراث الأجداد الخالد بأنك تعانق الحياة، وتقبض سر أسرارها، وتجول مع هذه الرحلة السرمدية التي حيرت العالم، وعجز العلم الحديث عن سبر خفايا تلك الرحلة العجيبة.

faraon
الرحلة العجيبة

بعد العبور من البوابة الرئيسية للمتحف نمر بردهة طويلة يتفرع منها العديد من القاعات، وفي  كل قاعة منها تشكل مرحلة من مراحل التعامل مع جثمان المتوفى حتى الانتهاء من تحنيطه، وفي أولى هذه القاعات يتم استقبال الجثمان بعد الصلاة عليه في المعبد، حيث يتم وضع الجثمان على منضدة كبيرة، ثم تنزع عنه ثيابه، وتبدأ مرحلة التحنيط بإحداث ثقب في الجثمان يصل طوله إلى 15 سم ثم يقوم الكهنة بإخراج جميع محتويات المعدة من أحشاء ورئتين، لأنها سريعة التعفن، ثم توضع جميعها في أوانٍ تسمى الأواني الكانوبية ولا يبقى بالجسد سوى القلب فقط لاعتقاد القدماء بأنه مركز الذكاء، وأنه يقوم بدور مهم في عملية الحساب في الدار الآخرة، حيث يعتقد قدماء المصريين أن القلب يوضع يوم القيامة، أو يوم الحساب في كفة الميزان، وفي الكفة الأخرى، ريشة الإلهة ماعت (إلهة العدالة)، فإذا رجحت كفة الريشة فهذا يعني أن المتوفي شخص نقي يستحق دخول الجنة، أما إذا رجحت كفة القلب، فهذا يعني أن المتوفي ملئ بالذنوب وأن مصيره إلى النار. نخرج من هذه القاعة التي تشكل المرحلة الأولى والأهم من مراحل التعامل مع جثمان المتوفي إلى قاعة أخرى تتم فيها المرحلة الثانية والتي لا تقل أهمية عن الأولى.
مرحلة التجفيف
ندخل القاعة الثانية والتي تحمل لافتة التجفيف، حيث تتم المرحلة الثانية من عملية التحنيط، فبعد الانتهاء من تفريغ الأحشاء من جوف المتوفي، يتم تجفيف جسده من السوائل، وذلك بوضعه في ملح خاص يسمى "ملح النطرون" لمدة أربعين يوماً يفقد خلالها الجسد نحو %75 من وزنه، ويعد هذا سبقاً علمياً يكشف المدى الذي وصلت إليه علوم الطب الفرعونية ولم يكشفها العلم الحديث إلا مؤخراً ، وتستطيع أن تشاهد في هذه القاعة العديد من الأدوات المستخدمة في عملية التجفيف والعناصر التي يتم استخدامها والتي تعد ثورة  علمية هائلة. 
نخرج من هذه القاعة إلى قاعة أخرى تتشمم منها مزيجاً طيباً من الروائح الزكية وتحمل اسم قاعة التجهيز، وهي المرحلة الثالثة من مراحل التحنيط ويتم فيها إشعال بعض أنواع مخصوصة من البخور، مضافا إليها نبات العرعر، والقرفة، والأكاسيا، والصبر، وفي عملية مشابهة يقوم القدماء بتحنيط كل ما كان المتوفي يستخدمه في حياته الدنيا سواء من الطيور، أو الحيوانات، أو الأسماك وذلك لاعتقادهم في حاجة المتوفي إلى هذه الأشياء عند بعثه إلى الحياة مرة ثانية.

إذا رجحت كفة الريشة فهذا يعني أن المتوفي شخص نقي يستحق دخول الجنة، أما إذا رجحت كفة القلب، فهذا يعني أن المتوفي ملئ بالذنوب وأن مصيره إلى النار

إله التحنيط
ومن قاعة التبخير إلى قاعة التعاويذ، حيث تضم هذه المرحلة من مراحل التحنيط وسيلة التطهير الوجداني، حيث كان الكاهن يتلو بعض النصوص المقدسة على الجثمان لتطهره من شروره، وكان يرتدي ماسك "ابن آوي" وهو رمز الإله "أنوبيس" إله التحنيط، وبعد الانتهاء من مرحلة التطهير الوجداني ينقل الجثمان إلى قاعة الحفظ حيث يتم  وضع مادة سوداء على جسد المتوفي تسمى المادة الراتيجية وهي مادة عازلة للرطوبة التي يمكن أن تتسرب إلى الجسد، ثم يدهن الجسد بعد ذلك بزيت جوز الهند، وشمع البرافين وشمع العسل، ثم تنقل إلى آخر قاعات المتحف، التي تشكل المرحلة الأخيرة من مراحل التحنيط، وهي قاعة التهيئة النهائية حيث توضع على المومياء كل إكسسواراتها، بالإضافة إلى أصابع ذهبية على أصابع المتوفي اعتقادا من القدماء بأن الأرواح الشريرة تدخل الجسد من خلال الأطراف، وأخيراً توضع المومياء في تابوت خاص، يرسم عليه من الخارج ملامح المتوفي حتى يمكن التعرف عليه حال البعث.
يذكر أن المتحف يضم استنساخا لعدد من التوابيت الفرعونية منها تابوت توت عنخ آمون، وآخر لأمحوتب وزير الملك زوسر من الأسرة الثالثة، وأيضا تماثيل لكل من إيزيس وأوزوريس. (خدمة وكالة الصحافة العربية)