متى نستقر ثقافيا؟
قامت الدول العربية فيما سمي بالربيع العربي باستبدال اثوابها الثقافية، فأطيح بأنظمة الحكم القائمة منذ زمن طويل واستبدلت بأنظمة الحكم الإسلامي التي أطيح بها ليحل محلها أنظمة عسكرية. وخلعت دول الأنظمة الإسلامية واستبدلتها بأخرى علمانية، أو هكذا تدعي، ثم قامت دول عربية بالعودة إلى الصبغة الاسلامية من جديد. وكل ذلك ردود فعل للمستجدات على الساحة السياسية.
ما لم يستقر العرب فكريا، ستضيع بلادهم الواحد تلو الآخر، وسيظلون يتأرجحون ما بين الموروث الثقافي الذي أوصلهم إلى الهاوية وبين الرغبة في بناء منظومة فكرية تعتمد على حكم القانون والشفافية والمحاسبة ومحاربة الفساد وتوزيع الثروات بالعدل والحرية الفكرية، وغير ذلك لا ينفع، والفكر ليس ثوبا نلبسه ونخلعه حسب الظروف، والناس ليسوا قطعانا يساقون بأمر يأتيهم من الأعلى وطالما بقوا على هذه الحال، فانسوا الأرض المحتلة وانتظروا احتلال المزيد. فالفكر لا يفصل على مقاس حاكم لينقذه، فهذه بلاد وشعوب، لا يعني الفرد فيها شيئا، والكل ينادي "نموت ويحيا الوطن"، وفجأة نجد المواقف تتغير وتتبدل، وإذا كان في هذه الإجراءات إنقاذ لحكم فرد واحد، فإنه يقود إلى موت الأوطان.
إن الحفاظ على الأوطان لا يقدر عليه سوى شعب يتمتع بالحرية الفكرية ويستقر على مبادئه، وإذا بقيت الشعوب ألعوبة فلن نتقدم شبرا إلى الأمام. إنهم يستغلون سذاجة الشعوب، فإذا أصبحوا في خطر، فإن هذه الأنظمة تفصل لشعوبها ثوبا فكريا صنع خصيصا لإنقاذها، وهذه كانت مأساة العرب تاريخيا، يخلعون ثوبا ويلبسون آخر حسب مصلحة الزعيم، وكأنهم قطعان ماشية خلقت ملكا خالصا لمالكها.
إن فلسطين أرض محتلة ويجب تحريرها بصرف النظر عن الزعيم، ولا فرق بين القدس وحيفا، فهي بلاد عربية، ويجب على العربي الملحد والمسلم العمل على استعادتها لكي يستحقوا صفة "إنسان". وليس هناك ضرورة للتحفيز الديني، وأين كان المحفزون منذ قرن ونيف؟ هل عندما يصل الخطر للزعيم شخصيا يتحرك ولا شيء دون ذلك يحركه؟ هذا يعني أنه لا يوجد فكر ولا قيم ولا مبادئ، والفكر يتقلب حسب الأحوال. والمشكلة أن الناس يستجيبون لأنهم غير مستقرين فكريا ولا يعرفون ماذا يريدون بالضبط، فلم يكن أحد يلتفت إليهم ولا يخاطب عقولهم ولا يقوم ببناء شعب قادر على التمييز واتخاذ القرار. وفجأة ينقلب الخطاب إلى خطاب ديني لإثارة الحماس والانقياد لمن يخطب فيهم. فطالما كانت الشعوب المتخلفة تساق باسم الدين حتى وإن كان الداعي جوعهم وهضم حقوقهم.
متى إذن تستفيق الشعوب وتختار قائدها بناء على الكفاءة والقدرة على إدارة المؤسسات وليس بناء على التدين الذي لا يعلم صدقه سوى الله؟