متى ينتصر الفلسطينيون على الوهم؟

السلطة الفلسطينية مدرسة في المسير بخطى عشوائية.
ليس في وسع أي مسؤول فلسطيني، بمن فيهم عباس مغادرة بيته في رام الله دون اذن إسرائيلي
عباس لم يساعد نفسه حين استبعد من محيطه القيادات الفلسطينية ذات الثقل والعلاقات الجيدة مع العالم
طوال خمسين عاما، كانت مهمّة الاسد الاب والابن "التفاوض من اجل التفاوض" على الجولان

بدل اللفّ والدوران والاعلان عن تحقيق انتصارات لتبرير التراجع، يفترض في السلطة الوطنية الفلسطينية مواجهة المواطن العادي بالحقيقة. إذا كان من انتصار، يحقّ لها التباهي به، حقّقته السلطة الوطنية الفلسطينية، فإنّ هذا الانتصار هو على الوهم. وهم رضوخ إسرائيل لشروط فرضها الفلسطينيون عليها ووهم آخر يتمثّل في انّ في الإمكان عيش السلطة الوطنية الفلسطينية بمعزل عن علاقة شبه معقولة بالولايات المتحدة.

الحقيقة بكلّ بساطة انّ التعاون مع إسرائيل لم يتوقف في يوم الايّام، منذ توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993، وان العودة الى ما كان عليه الوضع في ايّار – مايو الماضي كلام فارغ ليس الّا، في احسن الاحوال. لماذا كلام فارغ؟ الجواب ان شيئا لم يتغيّر ولن يتغّير في غياب عاملين. أولهما في إسرائيل نفسها وثانيهما في الذهنية المهيمنة على السلطة الفلسطينية. يضاف الى هذين العاملين امر بالغ الاهمّية يتلخّص بانّ ليس في استطاعة أي مسؤول فلسطيني، بمن في ذلك رئيس السلطة الوطنية محمود عبّاس (أبو مازن) مغادرة بيته في رام الله من دون اذن إسرائيلي. منذ لم تستطع السلطة الوطنية التوصّل الى اتفاق ما مع إسرائيل، خصوصا في العام 2000، وهي السنة الأخيرة التي كان فيها بيل كلينتون في البيت الأبيض، انحصرت طبيعة التعاطي بين الجانب الفلسطيني وسلطة الاحتلال في التنسيق الأمني بينهما.

توجد مشكلة إسرائيلية عميقة الى ابعد حدود. تكمن هذه المشكلة في العقل اليميني الرافض لفكرة السلام والمسيطر على المجتمع الإسرائيلي، وهو عقل ساهمت في صنعه اطراف فلسطينية مثل "حماس". لعبت "حماس" دورها في إضاعة كلّ الفرص التي توافرت للشعب الفلسطيني منذ توقيع اتفاق أوسلو، بحسناته وسيئاته. اكثر من ذلك، لعبت "حماس"، عن طريق العمليات الانتحارية ثم الصواريخ التي تطلق من قطاع غزّة، دورا أساسيا في جعل المجتمع الإسرائيلي اكثر تطرّفا. هناك حاليا منافسة بين يمينيين إسرائيليين يزايد كلّ منهما على الآخر. هذان اليمينان موجودان في حكومة بنيامين نتانياهو. هذه الحكومة ليست مستعدة، بمباركة أميركية، للإقدام على ايّ خطوة في اتجاه تسوية ما يمكن ان تعيد الامل في قيام دولة فلسطينية "قابلة للحياة" في يوم من الايّام. الأكيد ان ذلك ليس ممكنا من دون الانتهاء من التركيبة الحالية للسلطة الوطنية التي فشلت في ان تكون أكثر من منسق مع إسرائيل في مجال الامن. 

يمكن اختزال الوضع الفلسطيني القائم حاليا بانّ السلطة الوطنية افلست ماليا، وهي في الأصل مفلسة سياسيا. السلطة في حاجة الى موقف لتبرير الحصول على أموال تجنيها إسرائيل لمصلحتها. امتنعت السلطة عن تسلّم أموال موجودة لدى إسرائيل. ارادت بذلك معاقبة إسرائيل واعتبار هذه الأموال العائدة الى السلطة بمثابة ورقة ضغط. كانت النتيجة ان السلطة الوطنية عاقبت نفسها. لا يشبه تصرّفها سوى تصرّف ذلك الزوج الاحمق الذي أراد معاقبة زوجته بان قطع (٠٠٠)!

يمكن فهم الخطوة العشوائية التي أقدمت عليها السلطة الوطنية، وهي تتمة للخطوات العشوائية السابقة التي تلت ردود فعلها على توقيع دولة الامارات العربيّة المتحدة ومملكة البحرين اتفاقي سلام مع إسرائيل. نسيت السلطة الوطنية العالم الذي تعيش فيه. لا تشبه تصرّفاتها سوى تصرّفات النظام السوري القائم منذ خمسين عاما الذي احتجّ على زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للجولان المحتلّ. مضى على احتلال الجولان 53 عاما. كان حافظ الأسد وقتذاك وزيرا للدفاع في سوريا. في مثل هذه الايّام من العام 1970، انقلب حافظ الأسد على رفاقه البعثيين والعلويين واسس النظام الذي اورثه الى نجله بشّار في السنة 2000. طوال خمسين عاما، كانت مهمّة حافظ الأسد ونجله التفاوض من اجل التفاوض. لم يعملا شيئا من اجل استعادة الجولان.

لم يستفد الفلسطينيون من تجارب الآخرين. لم يستوعبوا معنى توقيع اتفاق أوسلو في ظروف صعبة كانوا يمرّون فيها بعد الخطأ الذي ارتكبه ياسر عرفات في العام 1990 عندما اعتقد ان صدّام حسين سيخرج سالما معافى من مغامرته الكويتية. ذهب "أبو عمّار" بعيدا في تجاهل الظروف التي أحاطت باتفاق أوسلو الذي اعاده الى ارض فلسطين. تجاهل ان الوقت لا يعمل لمصلحته وانّه كان عليه التوصّل الى صفقة ما، حتّى لو كانت مجحفة، مع اسحق رابين. تماما كما فعل الملك حسين الذي وقع بلده اتفاق سلام مع اسرائيل في تشرين الاوّل – أكتوبر من العام 1994.

في مرحلة ما بعد انتخابه رئيسا بعد وفاة "أبو عمّار"، قام "أبو مازن" بكلّ المراجعات المطلوبة، بما في ذلك انتقاد "عسكرة الانتفاضة" في السنة 2000 بعد فشل قمّة كامب ديفيد الفلسطينية – الإسرائيلية – الأميركية. الأكيد ان صعود اليمين الإسرائيلي ووصول دونالد ترامب الى الرئاسة لم يساعدا "أبو مازن"، لكنّ الأكيد أيضا انّه لم يساعد نفسه عندما استبعد من محيطه ايّ قيادي فلسطيني يمتلك حدّا ادنى من المنطق والعلاقات العربية والدولية في ظلّ ظروف إقليمية ودولية معقّدة. لم يستطع "أبو مازن" التعايش مع رئيس للوزراء مثل الدكتور سلام فيّاض يعرف ماذا يدور في العالم وكيف تعمل المؤسسات الدولية. لم يدرك حتّى معنى قطع العلاقات مع اميركا، بغض النظر عن كمية الظلم الذي مارسته إدارة ترامب.

يظلّ الرهان الفلسطيني في الوقت الحاضر على انّ إدارة جو بايدن ستكون مختلفة. هل هو رهان في محلّه؟ ذلك هو السؤال الكبير. قد يكون رهانا في محلّه، لكن نجاح مثل هذا الرهان مرتبط بتغيير في الذهنية الفلسطينية قبل ايّ شيء آخر. هل من امل في ذلك؟ من الصعب الكلام عن امل في غياب ما يكفي من الشجاعة للإعلان صراحة ان ما حدث كان هزيمة فلسطينية وان أي فرصة اتيحت منذ العام 1993 كان يجب استغلالها، بما في ذلك قمة كامب ديفيد للعام 2000 التي جمعت الرئيس كلينتون و"أبو عمّار" وايهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتذاك. الم يكن الحصول على ايّ موقع في القدس الشرقية افضل من الوضع القائم حاليا حيث لن تجرؤ أي إدارة أميركية، مهما كانت مختلفة، عن إعادة النظر في ضمّ إسرائيل للمدينة...

من اقنع ياسر عرفات في كامب ديفيد بانّ عليه رفض أي تسوية في ما يتعلّق بالقدس الشرقية من اجل الوقوع في الفخّ الإسرائيلي؟ اليس بين الذين اقنعوه بالتشدّد بعض الاميركيين من الذين كانوا يتظاهرون بانّهم مع قضيته... وتبيّن لاحقا انّ هؤلاء كانوا من الذين احاطوا بباراك أوباما ودفعوه في اتجاه التقارب مع ايران!