محطات يمنية ومرحلة حوثية

سيمضي وقت طويل قبل ان تولد صيغة جديدة لليمن.

في التاريخ اليمني الحديث، منذ قيام "الجمهورية العربية اليمنية" في الشمال اثر اطاحة النظام الامامي في 26 أيلول – سبتمبر 1962 ومنذ استقلال الجنوب في 1967 وتحوله لاحقا الى "جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية"، محطات مهمّة كثيرة. كانت كل محطة من هذه المحطات منعطفا في طريق طويل ومتعرّج ادّى الى تشظي اليمن والوصول الى الوضع القائم حاليا. انّه وضع غير طبيعي بأي شكل صار فيه مستقبل اليمن موضع مفاوضات تشرف عليها الامم المتحدة بين "الشرعية" المعترف بها عربيا ودوليا و"شرعية أخرى" تمثلها مجموعة معينة هي عبارة عن ميليشيا مذهبية تابعة لايران نفّذت انقلابا. يمثل هذه "الشرعية الأخرى" الحوثيون الذين يطلقون على نفسهم تسمية "انصار الله".

جاء استيلاء الحوثيين على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014 تتويجا لسلسلة من المحطات والاحداث التي تعني بين ما تعنيه الوصول الى شرذمة الجنوب ثم الى شرذمة الشمال نفسه التي تسبب بها الانقلاب الذي تعرّض له علي عبدالله صالح الذي يمكن وصفه بانّه اوّل رئيس لليمن الموحد وآخر رؤساء هذا اليمن الذي صار ينتمي الى الماضي.

هذا لا يعني ان علي عبدالله صالح كان ملاكا وانّ نظامه كان مثاليا بمقدار ما يعني انّ الذين نفّذوا الانقلاب عليه في 2011 لم يعوا النتائج التي ستترتب على ذلك وكيف ان الحوثيين سيتحوّلون الى المستفيد الاوّل منه.

من نفّذ الانقلاب كان اولئك الذين وقفوا خلف تحرّك شعبي صادق في بدايته. استغلت التحرّك الشعبي جماعة الاخوان المسلمين التي ظنّ قادتها انّه سيكون من السهل عليهم خلافة الرجل الذي حكم اليمن منذ العام 1978. لم يعِ هؤلاء في أي لحظة انّهم يؤسسون لمرحلة وصول الحوثيين الى صنعاء بعدما ترافق تحرّكهم مع انتقال الصراع الى داخل صنعاء نفسها وبعد محاولة اغتيال الرئيس السابق في الثالث من حزيران – يونيو 2011 اثر اختراق الحماية الخاصة به من جهة وتمكن الأخوان المسلمين من زرع متفجرات في المسجد الذي يؤدي فيه صلاة الجمعة، في دار الرئاسة، من جهة اخرى.

انتهت الوحدة اليمنية في 2011 يوم دار قتال من حيّ الى حيّ داخل صنعاء التي كانت تمثل دور المركز في دولة الوحدة. من كان يصدّق ان حي الحصبة الذي كان يقيم فيه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، زعيم قبيلة حاشد الذي توفّى أواخر 2007، سيكون مسرحا لمعارك بين قوات موالية لعلي عبدالله صالح وأخرى تقف في صفّ خصومه؟

عمّرت الوحدة 21 عاما مليئة بالايجابيات والسلبيات. لولا الوحدة، على سبيل المثال وليس الحصر لم يكن من ترسيم للحدود بين اليمن والمملكة العربية السعودية. لكنّ هذه الوحدة ما كان ممكنا ان تقوم لولا عوامل عدّة من بينها انهيار النظام في الجنوب، بل انهيار الجنوب، في الثالث عشر من كانون الثاني – يناير 1986. انّها محطّة، او ذكرى تبدو هذه الايّام منسية بعد مرور 33 عاما عليها.

يومذاك، وقع في اليمن الجنوبي الحدث الكبير المتمثل في ما سمّي "حرب القبائل الماركسية" التي كانت عبارة عن حرب أهلية ذات طابع مناطقي اكثر من ايّ شيء آخر. جرت "حرب القبائل الماركسية" التي انتهت بهزيمة الرئيس، وقتذاك، علي ناصر محمّد وخروجه من السلطة، على خلفية بداية انهيار الاتحاد السوفياتي الذي لم يعد قادرا على التحكّم بالوضع في "جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية" التي كانت اول نظام ماركسي في العالم العربي، كما كانت موطئ قدم له في شبه الجزيرة العربية.

كانت الحاجة الى اربع سنوات كي يعلن رسميا ان الجنوب اليمني الذي استقلّ في 1967 لم يعد مستقلا بل صار جزءا من اليمن الموحّد في ظل مجلس رئاسي يضمّ ثلاثة شماليين وجنوبيين اثنين على رأسه علي عبدالله صالح.

كان انهيار اليمن الجنوبي الإشارة الاولى الى سقوط الاتحاد السوفياتي في بداية 1992 بعدما بدا ان الحرب الباردة تشارف على نهايتها. لم يستطع الحكام الجدد لـ"جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية" عمل شيء في غياب الاتحاد السوفياتي وفضلوا في العام 1990 الهرب الى الوحدة.

من المفيد استعادة هذا التاريخ، تاريخ الثالث عشر من كانون الثاني – يناير 1986 في ذكرى مرور 33 عاما على هذه المحطة المهمّة في تاريخ اليمن. لم تمهد تلك المحطة لانهيار النظم في الجنوب. لم تكن فقط دليلا على بداية تفكك الاتحاد السوفياتي. شكّلت المحطة التمهيد الفعلي للوحدة اليمنية بعدما تبيّن انّه لم تعد توجد أي قواسم مشتركة بين الجنوبيين انفسهم. فالأعوام الممتدة منذ الاستقلال في 1967 الى يوم تحقيق الوحدة في ايّار – مايو 1990 كانت سلسلة من الحروب الاهلية في الجنوب. كانت حروبا صغيرة سال فيها الكثير من الدمّ وصولا الى حرب 1986 التي تخللتها مجازر. ليس معروفا الى اليوم عدد الذين قضوا في تلك الاحداث التي شهدت مواجهات بين اهل ابين وشبوة من جهة واهل محافظات أخرى، على رأسها لحج، من جهة أخرى.

تفتت الجنوب في 1986 ودخل الشمال مرحلة مشابهة في 2011 وصولا الى مرحلة جديدة، هي المرحلة الحوثية، ابتداء من 21 أيلول – سبتمبر 2014.

كم ستستمر المرحلة الجديدة التي دخلها اليمن؟ الجواب انّ الواضح، اقلّه في المدى القصير، هو ان الحوثيين مصممون على إقامة كيان خاص بهم على جزء من الشمال. سيكون من الصعب اخراجهم من صنعاء في غياب ضغط عسكري كبير وجدّي. باشروا استخدام الصواريخ منذ فترة طويلة. دخلوا حديثا مرحلة تسيير طائرات من دون طيّار. استطاعوا تفجير احداها فوق قاعدة العند وقتل ضباط كبار ينتمون الى جيش "الشرعية".

هناك محطات مهمة في التاريخ الحديث لليمن. أدت هذه المحطات الى تفتت الجنوب ونهاية الوحدة في غياب خيار العودة الى قيام دولتين مستقلتين على ارض اليمن. كلّ ما يمكن قوله الآن ان الحوثيين اقاموا كيانا خاصا بهم عاصمته صنعاء. هل سيضمّ هذا الكيان الحديدة أيضا؟ هذا ما يحلم به "انصار الله" ومن خلفهم ايران. هذا ما يفسّر وجود فهم خاص لدى الحوثيين لاتفاق ستوكهولم وحملتهم على الامم المتحدة وعلى الجنرال الهولندي باتريك كاميرت الذي يقف على رأس المراقبين الدوليين الذين يفترض بهم الاشراف على تسلّم الامم المتحدة لميناء الحديدة.

من محطة انهيار الجنوب، الى محطة الوحدة، الى محطة بداية انهيار الشمال، وصولا الى قيام الكيان الحوثي ذي الحدود غير المعروفة، يبدو اليمن في طريقه الى المجهول. سيمضي وقت طويل قبل ان تولد صيغة جديدة لليمن. في انتظار هذه الصيغة، سيسعى الحوثيون الى مزيد من المناورات كي يكرسوا امرا واقعا تعمل ايران من اجل خلقه. هل ينجحون في ذلك؟ هل لديهم غير توقيع الاتفاقات ثمّ التنكر لها كي يبلغوا هدفا غير قابل للحياة في المدى الطويل باي شكل من الاشكال؟