محمد أمين عبدو والبحث المتواصل عن الكينونة المغيبة

مازال الفنان يجري عبر منظومة فنية خاصة قائمة على الموروث الشعبي للكشف عن تلك الملامح المتواشجة بالاستناد على التجريب بإعتباره مركز الثقل.

منذ أكثر من أربعين عاماً والفنان التشكيلي محمد أمين عبدو يتنفس اللون، فمنذ عام 1975 وهو يعارك  اللوحة بفاعلية مؤكدة يبقيه على الجذر الإنساني وهذا ما يجعله يؤكد وبثقة العارف بعمران المكان بأن عمليات الإزاحة التي يقوم بها للوصول إلى نتيجة لماحة تحدد له وجهته لإستعاب الممكن مع الكشف عن ثمرات تراثية  ستكون كنوزاً لنا في مرحلة ما، فرغم أن فناننا محمد أمين إنقطع فترة طويلة نسبياً، إلا أنها قد تكون أشبه  بإستراحة المحارب، ليقلع من جديد وبطاقة أعلى وأقوى، وهو من الجيل الذي أرسى دعائم الفن التشكيلي في الجزيرة السورية، إلى جانب كل من عمر حمدي، وعمر حسيب، ويوسف عبدلكي و.......

ومع هذا مازال الفنان محمد أمين عبدو يجري عبر منظومة فنية خاصة قائمة على الموروث الشعبي للكشف  عن تلك الملامح المتواشجة بالإستناد على التجريب بإعتباره  مركز الثقل، وهذا ما دفعه لإثارة تأملات ترتبط بخارطة تلك التحولات ضمن دينامية الخلق ذاتها بفرادة على  المستوى التي تمثل له، وله كشوفات جمالية ذات خصائص نوعية، كإكتشافه لمستوى التعبير الذي به يتجاوز  نطاق المألوف ضمن شبكة من تفاعلات حقيقية وفي مقدمتها ذلك التناغم بين الأعمال التي ينتجها والتي فيها  يمارس نسج العمل الفني من خلال نسجه للتقاليد وللتراث وللفولكلور الكردي، ولهذا يتعين علينا عدم  الإكتفاء بطًرقْ جانب أحادي في أعماله، فهو يبتكر عوالم متخيلة جديدة إلى  جانب رصده لتراثه الجميل، وكذلك رصده لتلك الوجوه المحيطة به والغارقة في شقاء الزمن المتداخل بدوائر  كثيرة مع تمثيليات الواقع بأبعاده التاريخية حيناً، والاجتماعية في أكثر الأحيان وليس غريباً أن نلاحظ أن محمد أمين عبدو قد شرع بعد أربعين عاماً في تحريك إستراتيجيته الإبداعية في اتجاهات عديدة، ففي العودة إلى بداياته سنرى أن الواقعية كانت طاغية في جل أعماله مثله مثل كل مجاليه:

عمر حمدي، وعمر حسيب، وخليل عبدالقادر، و... ولكن في عودته الأخيرة أضاف تعبيرية غير هجينة للحاضر المتلاشي، على عكس الآخرين الذين ينظرون إلى الوراء أكثر من النظرة إلى الأمام، وبالمماحكة  بينه وبين مجايليه سنراه أنه يوظف الفرح والمتعة والصمت في هذا الزمن الصاخب والذي بات كل ما يرن فيه هامشاً، ولهذا محمد أمين يحتفي بالزمن حين يخرجه من طوفانه المشتغل عليه منذ عقود وبذلك يخطو خطوة قد تكون جوهرية بالنسبة له وذلك بمد جسور وطيدة لمناطق الإرتياد غير المعتادة دون خلق أية إشكالية معلنة كانت أم مضمرة، ولهذا حين يبلغ مرحلة الإنجاز تبقى هناك باقة من التساؤلات تطرح نفسها بانتظار المتلقي أن يجيب عنها، عبر قراءات مختلفة ومغايرة تختلف وتتغير من متلق إلى آخر مع التركيز والتشديد على الحاجة الدائمة للقيمة الرمزية الجمالية للعمل المنتج، وبذلك يعزز محمد أمين مناخه الذي يتنفس به ويعيش فيه، المناخ الذي خلقه لنفسه، فضلاً عن بحثه المتواصل عن الكينونة المتغيبة، وإن كانت متراكمة عبر زمن لا يسير إلى النماء بل إلى العتمة، إلى زمن يدركه بريشته والتي بها يدخله بوصفها خصوصية ثقافية جمالية، لا بوصفها حالة تاريخية تغلب عليها الصوت الواحد.

كما أنه يدرك تماماً بأن  لو شيئاً ما يمكن أن يدوم لما تعاقبت الفصول، ولهذا نرى أن محمد أمين يجاور تجارب مجايليه بالإنطلاق إلى الريف فيحمل تعب الوجوه وقساوة الحياة والغبار الذي يغسل كل شيئ ويفرشها على بياضه عبر تشكيلات حزينة هي بمنزلة الأنموذج عن واقعية عمله هذه الواقعية المفرطة بتفاصيلها والتي اشتغل عليها كل من حمل الريشة من أبناء هذا المكان، ومازالت لهذه الواقعية تأثيرها الصارخ على أعمال محمد أمين وإن كان يكثفها في بعض الأحيان بتعبيرية جميلة إلا أن تمثلها في الشمول الكلي في الرؤيا يجعله ينكمش بالحدس على طي الزمن خاصة حين يجعل من تنقلاته ما بين الريف وما بين المدينة، ما بين الماضي والحاضر، ما بين التراث والمعاصرة، بإيقاع صارم وبإنضباط ملفت في أكثر الأحيان.

ومن المفيد أن نذكر أن محمد أمين بقي مخلصاً لهمه الكردي الجزراوي وبالتالي لهمه السوري من معطيين:

الأول أنه مازال يعيش ويتنفس ذلك الهم بكل أوجاعه وتفاصيله، ولهذا لم تؤثر فيه كل المقولات الفنية القادمة  من خلف الأسوار، والثاني من قدرته الفائقة على التفاعل مع عمله إلى درجة الغوص فيه وعدم القدرة على الخروج منه فهو يتحول إلى أحد مكونات العمل وبالتالي جزء مهم من حكاية اللوحة ولهذا ينبغي التوكيد على  عدم النظر إلى العمل وقراءته بمعزل عنه أقصد عن الفنان ذاته .

إن الواقع الحكائي والتراثي والشعبي مدون في جل أعماله حتى تكاد تتحول إلى مرجعية لذلك الواقع وإن بمحورية مخالفة وليكن إفتراضية لكنها ليست خارج النص أقصد خارج العمل.