محمد بن رجب والطليعة التونسية

نقاش وتعقيبات بخصوص ما قدم من قبل بعض الحاضرين ليتم في إثر ذلك تكريم بن رجب من قبل مديرة النادي الثقافي الطاهر الحداد.
مسارات جديدة في القصة والرواية والشعر والنقد
التأثير على الساحة الثقافية تأثيرا عميقا

"... حبا للأدب التونسي ورواده. وإيمانا بالذاكرة الثقافية التي ظل أغلبها شفويا غير مدون.. كان هذا اللقاء".
شكرا من القلب لضيفي محمد بن رجب لأجل شهادته الثرية.. شكرا من القلب لكل ضيوفي الذين أسعدني حضورهم الأنيق..شكرا للأدب الذي يجمعنا...". 
هكذا كانت كلمات الشاعرة أمامة العربي الزاير التي تدير إعدادا وتنشيطا وتقديما لقاءات ومجالس "صالون المدينة للإبداع" منذ سنوات بالنادي الثقافي الطاهر الحداد بادارة سهام بن تومي. كانت الكلمات مقدمات للقاء فيه الكثير من دفء الثقافة في هذه الأيام الباردة.
عشية الجمعة 25 ديسمبر/كانون الأول، وفي أجواء ثقافية بنادي الطاهر الحداد بين مهرجان الخرافة وأنشطة النوادي والمنتديات والمعارض التشكيلية وفعاليات أخرى. وفي قاعة من قاعات الفضاء العريق العتيق وبحضور جمع من الكتاب والأدباء وأحباء الثقافة والفنون فسح المجال للضيف. هذا الضيف هو الإعلامي محمد بن رجب الذي واكب الحركة الثقافية والأدبية لعقود كصحفي بدار الصباح.
تحدث محمد عن متابعاته للمشهد مشيرا إلى جانب من دوره فيه وبالخصوص عند بعث المهرجان الوطني للأدباء الناشئين بالزهور، وكذلك جائزة كومار للرواية إلى جانب شهادات عن تجارب من قيل حركة الطليعة، وجيل التسعينيات الشعري. وشفع اللقاء بنقاش وتعقيبات بخصوص ما قدم من قبل بعض الحاضرين ليتم في إثر ذلك تكريم بن رجب من قبل مديرة النادي الثقافي الطاهر الحداد.
عن اللقاء يقول الضيف محمد بن رجب "... كنت هذا المساء في ضيافة نادي الطاهر الحداد بإدارة سهام بالتومي بدعوة من الشاعرة أمامة العربي الزاير رئيسة صالون المدينة للإبداع بحضور جمهور صغير لكنه مهم من الأصدقاء المبدعين في عالم الفكر والأدب... وكنت سعيدا بهم.. وقد كان اللقاء بهم فرصة لإثارة بعض الذكريات ذات التاريخ المنغرس في تربتنا الثقافية. كنت شاهدا عليها منذ نهايات الستينيات إلى اليوم. مع التركيز على مظاهر التطور والتقدمية والحداثة في الحراك الثقافي التونسي الذي عرف حلقات مترابطة انطلقت منذ الثلاثينيات مع جماعة تحت السور وأبي القاسم الشابي مرورا بفريد غازي وتوفيق بكار وصالح القرمادي والمنجي الشملي الذين كانوا قد أسسوا مجلة "التجديد" التي عبرت عن قفزة نوعية في الفكر الحداثي إثر الاستقلال. 
وهذه الجماعة كانت ولا شك هي التي وضعت أسس ومقومات الطليعة الأدبية التي قامت علي إبداعات جيل مبدع جديد من أمثال عزالدين المدني وسمير العيادي والطاهر الهمامي ومحمد صالح بن عمر والحبيب الزناد ومحمد مصمولي وسوف عبيد ومحمد أحمد القابسي ورضوان الكوني.. وغيرهم. دون أن ننسى الأبواب التي انفتحت لهذه الجماعة على المستوى الرسمي مع الوزير محمد مزالي مؤسس مجلة "الفكر" والذي أصبح فيما بعد الوزير الأول في الثمانينيات والوزير البشير بن سلامة رئيس تحرير مجلة "الفكر" التي تبنت حركة الطليعة وخاصة جماعة في غير العمودي والحر، وقد احتضنت جريدة "العمل" من خلال ملحقها الثقافي والأدبي الشهير الذي أداره الحبيب الجنحاني وعزالدين المدني. كل ذلك الحراك الإبداعي الجديد الذي لا يمكن القفز عليه إطلاقا عند التأريخ للثقافة التونسية المعاصرة والحديثة. 

تونس
لقاء باذخ

والأسماء التي استعرضناها في الأدب والفكر والفنون أحدث أصحابها مسارات جديدة في القصة والرواية والشعر وفي النقد. وتمكنت هذه الجماعة من التأثير على الساحة الثقافية تأثيرا عميقا فأحدثت فيها حراكا كبيرا في المسرح مع محمد إدريس والمنصف السويسي والفاضل الجعايبي والفاضل الجزيري. وفي الموسيقى مع محمد الفرفي وحمادي بن عثمان. وفي الفن التشكيلي مع نجيب بلخوجة. كلهم أحدثوا نوعا من القطيعة مع السائد والمألوف والعادات والتقاليد الأدبية وأطلق العنان لتجارب إبداعية مهمة أصبح لها تاريخ أثر في الفكر وجعل تونس مرتبطة بالإبداعات العالمية المتطورة التي كرست الحداثة والتغيير، وإثراء الأدب التونسي بنكهة جميلة. مع عمق فكري ناهض نحو مستقبل مشع. 
وفي الأثناء تعرضت إلي الحديث عن تأسيس المهرجان الوطني للأدباء الناشائين الذي أطلق حركية في الساحة الأدبية بنكهة شبابية خلاقة بعد زوال الطليعة بحوالي 15 سنة يمكن أن نعتبرها مرحلة جديدة أو حركة أدبية ثرية لها علاقات وشائجية مع الطليعة. قد تكون أعطت أكثر مما أعطته هذه الطليعة. 
وكان هذا المهرجان وراء تأسيس مهرجانات أخرى في كامل الجمهورية. وهو ما أحدث أجواء جديدة للثقافة والأدب في تونس. وبرزت أسماء في عالم القصة والشعر والرواية ذات تجربة مهمة، وتطلعات جديدة. لم تكن بعيدة في ثورتها وتجاوزاتها عما حدث في تونس بعد 14 يناير/ كانون الثاني. وغدا أفضل.
هذا غيض من فيض في هذا اللقاء الجميل. وبالمناسبة أشكر كل الذين حضروا اللقاء وشاركوا في تنشيط الذاكرة. أمثال سوف عبيد ومحمد جابلي وزهرة الحواشي وبسمة مرواني وعادل معيزي وسلمي الجلاصي وشمس الدين العوني وخالد درويش وعمر السعيدي وأحمد جليد ونزار الحميدي. وأشكر سهام بالتومي وأمامة الزاير مع الأماني لهما بمزيد العطاء والتألق فيه...".
لقاء باذخ فيه نبش في ذاكرتنا الثقافية بكثير من التأني والهدوء والموضوعية. بعيدا عن هامش زيف وتزييف التاريخ الذي هو حرفة الأشباه والمتسلقين والمتأدلجين و"المزروبين" من الكتبة والمتشاعرين زمن الوهم والشعبوية في الفهم الجاد للحرية والديمقراطية وكل من يظن أن الكتابة بدأت معه والشعر انطلق من أنفاسه فحسب، وما سبق فهو لغو وثغاء ورداءة. هيهات ليس هذا بالأدب والإبداع. ولن تنطلي مادام كبار الحومة أحياء. 
ومحمد بن رجب أحد كبار الحومة الأدبية الثقافية. فعلا كان اللقاء استثنائيا من حيث مضامينه الثقافية وما أثارته من نقاش زاد في ثرائها.