محمد حسين حبيب: رسالتي هي بحثي عن وطني وأنا فيه

مسرحية "الراديو" من نص نيجيري للكاتب الأفريقي كين تسارو ويوا ويخرجها الدكتور محمد حسين حبيب.
ما ردة فعل أحدنا، إذا ما اكتشف فجأة أن كل ما حوله مزور، ومركز على الحيلة والكذب؟
في مدينة الحلة عطاءات مستمرة ولا ننتظر شيئا ماديا بل إننا دائما ما ندفع من جيوبنا
مدينة الحلة أنجبت أكثر من خمسمائة عالم ومبتكر وأديب في تخصصات مختلفة 

رغم السبات الإجباري لمسرحنا العراقي وانتظار لحظة استفزاز خشبته وإضاءتها بعروض اشتقنا إليها في وقت مازالت أيام مسرحنا الذهبية الغابرة تستوطن الذاكرة، تتوهج بين الحين والحين التماعات مسرحية في بغداد والمحافظات، فرسانها عشاق المسرح، حملة الوفاء لألقه واستمرار عروضه حتى وإن كانت بأبسط الإمكانات. 
مدينة بابل، مدينة التاريخ والأصالة والعلم والثقافة والإبداع تشهد اليوم عرضا مسرحيا وعلى خشبة كلية الفنون الجميلة في الحلة، يقدمها قسم الفنون المسرحية في الكلية مع فرقة بابل للفنون، أبطالها باقة مخلصة من فناني المسرح وعشاقه. المسرحية تحمل عنوان "الراديو" وهي من نص نيجيري للكاتب الأفريقي كين تسارو ويوا ويخرجها الدكتور محمد حسين حبيب، الفنان الدؤوب الذي يواصل عطاءً مسرحيا ثرا وفيا لمدينته ومسرحها العريق وبإمكانات فقيرة، ترى!! ما الذي أراد المخرج محمد حسين حبيب أن يقوله في هذه المسرحية؟ 
يجيب: أعتقد أن كلمة المخرج التي وضعتها في بروكرام العرض والتي جاءت وفق التساؤل الاتي : "ما ردة فعل أحدنا، إذا ما اكتشف فجأة أن كل ما حوله مزور، ومركز على الحيلة والكذب؟". أعتقد أن هذه الكلمة لخصت ما أردت قوله في عرض مسرحية "الراديو"، وهو في رأيي تساؤل مرعب وخطير، وماذا نتوقع أن تكون إجابته؟ برغم أن إجابته موجودة في العرض وهذا ما سيمسكه المتلقي بامتياز.

إن رسالتي واحدة في كل مسرحياتي التي أخرجتها للمسرح العراقي منذ عام ١٩٨٦ وإلى اليوم وعبر ٢٦ عرضا مسرحيا، أجد أنها رسالة واحدة وفلسفة واحدة نابعة من رؤيتي كمخرج لما يدور في كوننا الإنساني الثابت على القسوة والعنف والدم والاستلاب والقهر والمظلومية منذ نشأنا كبشر وإلى اليوم، هذا على مر التاريخ، فكيف يكون حالك وأنت عراقي تعيش في هذه البقعة الجغرافية من الكرة الأرضية؟ وهي بقعة طافحة بكل هذه المسميات التي ذكرت وكلها ضد الإنسان، بلد تعرض تاريخيا إلى سبعة عشر احتلالا عبر التاريخ القديم والحديث والمعاصر لدرجة أنني كعراقي لم أكن أتوقع يوما أن بلدي سيكون محتلا، لا من الأجنبي فحسب، بل أن يكون الاحتلال نفسه من أبناء بلدك أنفسهم تحت يافطة مسوغات بليدة، ليضيع عندي وعند غيري من العراقيين مفهوم الاحتلال، ولهذا رسالتي هي بحثي عن وطني وأنا فيه ، علما أني لم أهجره يوما تحت أية ذريعة، ولن أهجره ما حييت.
وعن الإمكانيات الفنية والمادية والدعم الذي تجده عملية الإخراج المسرحي قال حبيب: في الغالب تعاملي مع ممثلين مائزين جدا في مسرحنا العراقي في بابل من المنتمين الحق لمسرحهم وهم غالبا من جيلي المسرحي. بدأنا معا وإلى اليوم نقدم لمسرحنا العراقي في مدينة الحلة عطاءات مستمرة ولا ننتظر شيئا ماديا سوى أن نقول كلمتنا، بل إننا دائما ما ندفع من جيوبنا – رغم سنوات القحط التي مرت وتمر اليوم أيضا – من أجل قول رسالتنا المسرحية التي نؤمن بها.
ويضيف: إمكانياتنا الفنية على صعيد الأداء والتمثيل متقدمة جدا نستطيع أن ننافس بها المشهد المسرحي العربي وحتى العالمي مقابل إمكانياتنا المادية المعدومة تماما، فلا جهات إنتاج تدفع ولا مؤسسات تدعم، إلا لغاية في نفس يعقوب من مؤسسات دينية أو تحزبية تتخذ من المسرح وسيلة إعلامية لتسويق منهجها او سياستها، وهذا ما أسميته أنا تحت مصطلح "مسرح المناسبات" الذي ظهر بعد عام ٢٠٠٣ تحديدا.
وأوضح أن تجربة اليوم ليست تجربتي الإخراجية الأولى .. نعم، فمسرحية "الراديو" تحتل الرقم ٢٦ من أعمالي المسرحية التي أخرجتها للمسرح العراقي في بابل، لكن الجمهور هنا طبعا عادة ما نشطره إلى شطرين (عام وخاص)، بمعنى آخر الشعبي الجماهيري والنخبوي، وهذا التقسيم ليس عندنا فحسب بل هو في العالم أيضا على الأصعدة الثقافية والتخصصات الفنية الأخرى،   فجمهور بابل على مدى سنوات عشناها معه جمهور مثقف واعٍ متابعا لأسباب منها تاريخية تعود إلى عمق المدينة الحضاري القديم والحديث والمرتبط بأن مدينة الحلة أنجبت أكثر من خمسمائة عالم ومبتكر وأديب في تخصصات مختلفة علميا وثقافيا ودينيا. 

المسرح العراقي
ليست تجربتي الإخراجية الأولى

ويضيف د. حبيب: الأمر الآخر هو موقع مدينة الحلة الجغرافي وسط البلاد وقرب المدينة المرتبط بالعاصمة بغداد أولا وقربها من مدن مقدسة أيضا مثل كربلاء والنجف الاشرف، هذا الأمر أعطاها تميزا عن باقي المدن العراقية الأخرى، فتحركنا نحن كفنانين أو مثقفين نحو العاصمة دائما وسهولة متابعة كل ما يهمنا، أعطانا مقومات إضافية لنكون قابضين وماسكين بالمشهد المسرحي والثقافي العراقي عبر سنين عديدة.
محمد حسين حبيب، مخرج وناقد مسرحي عراقي، دكتوراه فنون مسرحية في فلسفة الإخراج،  حاليا أستاذ الإخراج والنقد المسرحي في كلية الفنون الجميلة – جامعة بابل العراقية / قسم الفنون المسرحية، عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين بصفة (ناقد مسرحي) منذ عام 1992، أخرج للمسرح العراقي (26) مسرحية شاركت في عدة مهرجانات عراقية وعربية، كما عمل ممثلا في أكثر من (40) عرضا مسرحيا عراقيا بجانب إسهامات تلفازية وإذاعية، في سيرته الفنية والعلمية خزين من المشاركات في مؤتمرات ثقافية ومسرحية ولجان تحكيم في مهرجانات فنية، محاور نقد وكتابة النقد المسرحي، يعني بالمسرح الرقمي والثقافة الرقمية، بحوث في الفضاء والأدب الإلكتروني، محاضرات وعشرات المقالات والدراسات البحثية والنقدية والثقافية على مستوى العراق والوطن العربي، نال التكريم والتقدير في مناسبات إبداعية عديدة.
مسرحية "الراديو" التي يستمر عرضها أربعة أيام في عروض صباحية مع الالتزام بتعليمات السلامة الصحية من تباعد جسدي وارتداء الكمامات وغيرها.
يجسد أدوار المسرحية نخبة من فناني محافظة بابل إلى جانب أساتذة وطلبة الكلية، الفنانون أحمد عباس ومهند بربن وعلي عدنان التويجري وحسنين الملا حسن وعلي العميدي بالإضافة لمخرج المسرحية محمد حسين حبيب. يتولى الإضاءة علي زهير المطيري، أما المؤثرات الصوتية فهي لعلي عادل عبدالمنعم والإدارة المسرحية ابراهيم عبدالله.