محور الممانعة الإيراني.. ينكشف ويتراجع

النظام الإسلامي الإيراني ومحور الممانعة التابع له يواجه أسوأ أزمة سيتزعزع أسسه إذا استمرت الانتفاضات في إيران والعراق ولبنان وإذا لم يحدث تدخل خارجي متسرع يخدم بلا قصد النظام في طهران.

بقلم: هشام ملحم

عشرة أيام هزت الشرق الأوسط، في الشهر الأول من السنة الأولى في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين. غارة أميركية صباح الثالث من الشهر الجاري قضت على قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في بغداد، والذي كان يعتبر الشخصية الأمنية الأهم في إيران، وقضت أيضا على أبو مهدي المهندس، أحد أعمدة الهيمنة الإيرانية في العراق.

يوم الأربعاء ردت إيران بقصف صاروخي ضد قاعدتين عراقيتين تتواجد فيهما قوات أميركية، ولكنه كان قصفا سياسيا مصمما لإنقاذ وجه إيران، وليس لسفك الدم الأميركي، في أول تراجع إيراني في وجه الردع الأميركي منذ الغزو الأميركي للعراق في 2003.

تظهر التظاهرات شجاعة المواطنين الإيرانيين في التصدي لنظام لا يتورع عن اللجوء للعنف السافر خلال التهديدات والتهديدات المضادة التي تبادلها الطرفان، هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقصف أهداف إيرانية محورية لإيران بما في ذلك أهداف ثقافية في إشارة ضمنية إلى احتمال قصف مواقع أثرية تعتبر معالم هامة في تاريخ إيران. أثار هذا التهديد استنكارا قويا داخل وخارج الولايات المتحدة لأنه يتعارض مع التاريخ العسكري الأميركي ولأنه يمثل انتهاكا للقانون الدولي. المسؤولون في وزارة الدفاع أوضحوا أنهم لا يتوقعون مثل هذه الأوامر وأكدوا التزامهم بالقوانين الدولية.

في الأيام التي تلت القصف الصاروخي وتدمير الطائرة الأوكرانية، بلغ تضليل وكذب وتلفيق المسؤولين الإيرانيين السافر حدا غير مسبوق حتى بالمقاييس المتدنية للجمهورية الإسلامية منذ أكثر من أربعين سنة.

المرشد علي خامنئي ادعى أن القصف هو صفعة ضد الولايات المتحدة وأنها غير كافية، وأن إيران ستواصل العمل على طرد الولايات المتحدة وقواتها من الشرق الأوسط، في الوقت الذي ادعت فيه الماكينة الإعلامية الإيرانية أن القصف أدى إلى وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى، وهو ادعاء لا أساس له.

يمكن القول إن ما حدث بعد ذلك في شوارع وجامعات وساحات طهران وغيرها من المدن الإيرانية فاق بكثير أهمية قتل قاسم سليماني واقتراب الولايات المتحدة وإيران من حافة الحرب، في نزاعهما المستمر منذ الثورة الإسلامية في 1979.

عشرات الآلاف من الإيرانيين، ومعظمهم من الشابات والشباب من الطلاب والأكاديميين والفنانين والمثقفين وغيرهم من المواطنين الإيرانيين العاديين انتفضوا من جديد وهتفوا منددين بكذب وتضليل كبار المسؤولين، وطالبوا باستقالة المرشد علي خامنئي وغيره من المسؤولين البارزين لتسببهم ليس فقط بكارثة وطنية، بل بالتغطية الرخيصة عليها.

القمع الذي واجهته، أو يتوقع أن تواجهه، هذه التظاهرات أظهر من جديد شجاعة المواطنين الإيرانيين في التصدي لنظام لا يتورع عادة عن اللجوء السريع والتلقائي للعنف السافر لحماية نفسه. أن يطالب المتظاهرون الإيرانيون علنا وفي وضح النهار باستقالة علي خامنئي، وخاصة بعد التطورات السياسية والميدانية التي حدثت خلال هذه الأيام العشرة التي هزت إيران والشرق الأوسط، هو تحول نوعي في الأزمة التي يعيشها النظام الإسلامي في إيران.

إذا لم تكن التظاهرات في إيران كافية لإحراج وكشف إفلاس النظام الإسلامي في طهران وما يسمى بمحور الممانعة الذي لعب قاسم سليماني دورا أساسيا في بنائه في العراق وسوريا ولبنان واليمن، اندلعت التظاهرات في العراق ولبنان مجددا.

رفض المتظاهرون في العراق تحويل بلدهم إلى مسرح اقتتال بين الولايات المتحدة وإيران، ورفض الكثيرون منهم دعوات وكلاء وعملاء إيران في العراق لانسحاب القوات الأميركية من العراق.

ما يواجهه النظام في إيران ومحور الممانعة التابع له، هو أسوأ أزمة يواجهها هذا المحور منذ ولادته في لبنان، التظاهرات، التي بدأت لأسباب اقتصادية ولمكافحة الفساد، تركزت لاحقا ضد محور الممانعة الذي يمثل "حزب الله" الذي تموله وتسلحه إيران وحليفه، ما يسمى بالتيار الوطني الحر، الذي يعتبر العقبة الأساسية أمام التغيير في لبنان، على الرغم من أن الطبقة السياسية اللبنانية بمجملها فاسدة ومعادية للقيم والمؤسسات الديمقراطية الحقيقية.

ما يواجهه النظام الإسلامي في إيران ومحور الممانعة التابع له، هو أسوأ أزمة يواجهها هذا المحور منذ ولادته، ويمكن أن يزعزع أسس هذا المحور، إذا استمرت الانتفاضات في إيران العراق ولبنان، وإذا لم يحدث تدخل خارجي متسرع أو متهور يمكن أن يخدم، من دون قصد، النظام في طهران.

مما لا شك فيه أن رد إيران المباشر والمحدود جدا على مقتل قاسم سليماني وإسراع المسؤولين الإيرانيين للتأكيد لواشنطن أن ردهم المسرحي قد انتهى، يوحي أن النظام الإيراني قد ارتدع، في الوقت الراهن على الأقل.

صحيح أن إيران تدرك أن الرئيس ترامب لا يريد حربا جديدة في الشرق الأوسط، ولكنها تدرك أيضا أن وضعها الاقتصادي الكارثي، والأهم من ذلك، وجود جماهير إيرانية بالآلاف في شوارع البلاد تنادي بإسقاط النظام، وضغوط في العراق ولبنان ضد وكلاء وعملاء إيران، كلها عوامل تجعل من أي عقاب أميركي عسكري، ولو كان محدودا ومقتصرا على غارات جوية مكثفة ضد قواتها العسكرية وبنيتها التحتية الاقتصادية، سيشكل ضربة سياسية ـ عسكرية قد لا يتحملها النظام.

ملخص ما نشر في صفحة الحرة