مدينة شيآن رحلة لمهد الثقافة الصينية القديمة

مدينة شيآن تقع في شمال غرب الصين، وهي عاصمة مقاطعة شانشي، وهي العاصمة القديمة لثلاث عشرة أسرة إمبراطورية صينية.
تشيو يوضح أن مدينة شيآن تضم العديد من المزارات السياحية، التي تجعل زيارتها شيئا يبهر الأنفاس ويخطف العقول
المأكولات الخفيفة التي يتميز بها مطبخ شيآن حصلت على المركز الأول على مستوى الصين

مدينة شيآن هي مهد الحضارة الصينية القديمة، وهي أقدم "بلاد الخيرات" في التاريخ. فمنذ آلاف السنين، أقام الصينيون القدماء على تلك الأرض التي تحيط بها الجبال والأنهار، ومن تلك البقعة نشأت حضارات الأسرات الإمبراطورية "جوو" و"تشين" و"خان" و"تانغ" التي تركت للبشرية الكثير من الآثار العريقة والسجلات التاريخية والأساطير القديمة.
حول هذه المدينة وفي رحلة متكاملة لثقافة شيآن العريقة والثرية والمتنوعة والعصرية من خلال بعض المدونات الصغيرة ذات الأسلوب السلس واللغة الواضحة والجذابة، يجئ هذا الكتاب "رحلة إلى شيآن.. عاصمة الصين القديمة" للكاتب تشيو شنغ ون، وترجمة منة الله صالح عمر، مراجعة د. حسانين فهمي حسين، حيث تقع مدينة شيآن في شمال غرب الصين، وهي عاصمة مقاطعة شانشي، وهي العاصمة القديمة لثلاث عشرة أسرة إمبراطورية صينية، أُطلق عليها على مدار التاريخ العديد من الأسماء مثل "خاو جينغ" و"تشانغ أن" و"فنغ يوان" وغيرهما، ولكن مع بداية عهد أسرة مينغ، أمر الأمبراطور "جو يوان جانغ" بتغير اسم المدينة لتصبح "مدينة شيآن" (هو الاسم المستخدم حتى الآن)، وهي تَعني ضمنيًا "الرغبة في تحقيق السلام والاستقرار في مناطق الشمال الغربي"، وبالرغم من أن مدينة شيآن لم تعد منذ زمن طويل العاصمة الحالية للصين، إلا أنها أُعتبرت أكبر مدن منطقة الشمال الغربي، التي ساهمت بشكل ملحوظ وكبير على مدار الآلاف من السنوات السابقة في استقرار وتقدم المناطق الغربية".
يرى تشيو شنغ ون أن مدينة شيآن تعد محطة دائمة للمسافرين المحبين للتاريخ، فهي تقوم على أطلال حضارة تمتد لآلاف السنوات، لتتمتع بآرث ثقافي غني وبمواقع آثرية فريدة. حيث يقال إنه "إذا أردت أن تتعرف على الثقافة الصينية الحديثة، فإن عليك السفر إلى مدينة بكين، أما إذا كنت من الباحثين عن الثقافة الصينية المعاصرة، فإنه عليك السفر إلى مدينة شنغهاى، أما إذا كنت ترغب في التعمق في الثقافة الصينية القديمة فإنه يجب عليك التوجه إلى مدينة شيآن". 

التأثر بالأجواء التاريخية والملامح الجغرافية للمنطقة، حيث تسيطر على المدينة أجواء من المهابة والعمق والغموض

ويقول إن "مدينة شيآن، تقدم صورة مصغرة لتطور الحضارة الصينية. وهو ما يتجلى بوضوح في شوراع وأزقة المدينة، وفي معالم الحياة اليومية لأهلها. فكل شيء في مدينة شيآن يحمل عبق الحضارة الصينية القديمة، فبداية من سلسلة جبال تشين لينغ الشاهقة الارتفاع والساحرة بأشجارها المزدهرة وأنهارها المتعرجة، إلى أوبرا تشين تشينغ المفعمة بالأجواء الحماسية والمشاعر الحزينة، ومن سكان سهل تشين الذين تميزوا بالشجاعة والصراحة والوضوح، حتى نكهات الكثير من الأطعمة الشهية التي تشتهر بها المدينة، كل ذلك يتصل بتلك الحكايات التي تعود إلى العصور الإمبراطورية التي تمتد إلى مئات بل إلى آلاف السنين".
وأوضح تشيو أن مدينة شيآن تضم العديد من المزارات السياحية، التي تجعل زيارتها شيئا يبهر الأنفاس ويخطف العقول. حيث تعد مدينة شيآن موطناً لأطول وأفضل أسوار المدن الصينية المحفوظة بدرجة جيدة حتى يومنا هذا، كما تضم مدينة شيآن أكبر ضريح ملكي في التاريخ، وهو ضريح الإمبراطور تشن شه خوانغ، الذي أمر ببنائه بعد نجاحه في توحيد ولايات الصين الستة المتصارعة والمتنافرة، واعتلائه العرش في 259 ق.م، ليُصنف على أنه أكبر الأضرحة الإمبراطورية في العالم، أستغرق بناء هذا الضريح حوالي 39 عاما، كما شارك في بنائه أكثر من 720 آلاف عامل، أي حوالي ثمانية أضعاف العمال المشاركين في بناء الأهرامات الثلاثة بالجيزة بمصر. 
تنفرد المقبرة ايضًا بمشهد جيش المحاربين المصنوع من الطين، وهو مشهد رائع وفريد من نوعه في مدينة شيآن، حيث أمر الإمبراطور ببناء جيش قوى ليتم دفنه معه عندما يموت، عرف هذا الجيش باسم "جيش التيراكوتا"، يتكون هذا الجيش العملاق من ثمانية آلاف من المشاة والرماة والضباط، بجانب 130 عربة مع 520 حصاناً و150 فارساً بحجمهم الطبيعي الكامل، فضلًا عن إداريين وموسيقيين، ليكونوا في خدمة الإمبراطور في حياته الثانية. 
اكُتشف هذا الجيش الطيني بالصدفة عام 1974 من قبل مزارعين محليين أثناء حفرهم بئر ماء بالقرب من مدينة شيآن، ليعرف مؤخرًا بأسم "الأعجوبة الثامنة في العالم". هذا بالإضافة إلى "متحف شانشي التاريخي"، الذي يعد من أكبر المتاحف في الصين، وهو أول متحف على الطراز الحديث بالصين، أطلق عليه "لؤلؤة العاصمة القديمة وكنز الصين العظيم". كما أعُتبر حاليًا برج الإوز البري العملاق، أعلى بناء معماري في المدينة، حيث يبلغ ارتفاعه 64.5 متراً.. إلى غيرها من الآثار والمعالم التي تطرق إليها الكتاب.
تطرق تشيو في الكتاب الصادر عن دار صفصافة ضمن سلسلة "قراءات صينية" التي يشرف عليها د. حسانين فهمي حسين أستاذ اللغة الصينية والترجمة المساعد بكلية الألسن جامعة عين شمس، إلى النهضة الكبيرة التي شهدتها مدينة شيآن في العصر الحديث، حتى أصبحت من المدن المتطورة والمزدهرة. فقد احتوت المدينة حالياً على أكبر محطة للقطارات في قارة آسيا، وعلى أكبر محور للنقل الجوي في منطقة شمال غرب الصين، وهو مطار "شيآن يانغ الدولي"، كما احتوت المدينة على خط جديد للقطارات السريعة يربط بين مدينتي شيآن وبكين، تستغرق الرحلة فيه حوالي خمس ساعات. 
أما عن الأطعمة المميزة التي تشتهر بها المدينة، فقد أفرد لها المؤلف فصلًا كاملًا. حيث حصلت المأكولات الخفيفة التي يتميز بها مطبخ شيآن على المركز الأول على مستوى الصين، كما اخُتيرت مدينة شيآن في عام 2011 لتكون ضمن أفضل عشر مدن تقدم المأكولات الخفيفة في قارة آسيا. تُشير الأحصائيات إلى أن مدينة شيآن تضم أكثر من 200 نوع من المأكولات الخفيفة, فهي المدينة التي تحتوي على أكبر عدد من المأكولات الخفيفة على مستوى الصين، ومن أشهر المأكولات التي عرضها الكتاب كعكة الأرز اللزجة المبخرة، دجاج القرع، طبق "الباو مو"، "الكعكة البلورية"، "جياو تسي (كرات محشوة باللحم والخضار وتنضج بالبخار)" إلى غيرها من المأكولات الشهية.

نماذج من المدونات
جبل لي: 
جبل لي (وترجمته الحرفية: جبل الحصان الأسود)، هو جبل صغير على شكل حصان أسود. ارتبط هذا الجبل بالعديد من القصص والأحداث على مر العصور. فعند هذا الجبل قام الإمبراطور "جوو يوو" (782 -771 ق.م) بإطلاق إنذار الحرب الخاطئ ليخدع الأمراء والحكام من أجل إسعاد وتسلية محبوبته "باو سي"، كما أنه أيضًا المكان الذي أقيمت فيه مأدبة "خونغ من" عام 206 ق.م، والتي لم يتمكن فيها الجنرال "شيآنغ يو" (232-202 ق.م) من إغتيال الإمبراطور ليو بانغ. كما أنه المكان الذي شهد قصة حب الإمبراطور لي لونغ دي (تولي الحكم في 712 حتى 756 - امتد حكمه حوالي 43 عامًا وهو الأطول في تاريخ أسرة تانغ) مع محبوبته وزوجته الإمبراطورة يانغ قوي فيي (الزوجة الثالثة للأمبراطور وقد تزوجها في 745 حتى وفاته)، وأخيرًا شهد هذا المكان أحداث شيآن عام 1936، والتي غيرت تاريخ الصين المعاصر.
الأدب والبيئة:
"تتأثر طبيعية الكتابات الأدبية بالظروف البيئية والأوضاع الاجتماعية المحيطة بها". من هذا المنطلق يرى الكاتب الصيني جو خونغ: "أن الظروف البيئية والأجتماعية التي تميزت بها منطقة شان بيي (أي منطقة شمال شانشي) من كونها منطقة وعرة وغير متساوية، كما أنها منطقة واسعة وممتدة الأطراف، تعلو وتهبط الجبال بها في منظر فريد ومذهل، كل هذا مع نغمات شين تيان يوو وهو لحن شعبي مميز في شانشي، قد ساعدوا جميعاً في تشكيل بيئة مناسبة لظهور رواية "العالم العادي" للأديب لو ياو. 
ثم نتحول إلى منطقة قوان جونغ (أي قوان الوسطى) بمقاطعة شانشي لنجدها قد حُصرت بواسطة حواجز طبيعية على جميع جوانبها الأربعة، وتميز سكانها بالانضباط والدقة وعمق التفكير، كما حرص الجميع على احترام تعاليم كونفوشيوس، لتعلو نغمات أوبرا تشين تشيآنغ في الأفق. ومن هنا كان من الطبيعي ظهور رواية "سهل الظبي الأبيض" للأديب تشن جونغ شي. واخيراً منطقة شان نان (أي جنوب شانشي) والتي تزخر بسلاسل من الجبال التي تكسوها الغابات الخضراء، فتميز سكانها بالنعومة والرقة والذكاء والمهارة، ومن هنا ظهرت وبدون تكلف مجموعة قصص الأديب الصيني جيا بينغ وا.
الأعشاب الطبية بجبل "تاي باي":
عُرفت سلسلة جبال "تشين لينغ" منذ القدم على أنها موطن الأعشاب الطبية. "ذلك الجبل الذي تعانق قمته السحاب في منظر بديع، فيسبح في بحر من السحب، ثم ينحني برأسه ليُكسي بأعجب وأثمن الأعشاب الطبية". يذكر أن كلاً من الدكتور سون سي مياو (581-682) والدكتور وانغ تاو (670-755) وهما من أشهر الأطباء في عهد أسرة تانغ (الممتدة من 618-907) قد سبق أن تعمقا في دراسة الأعشاب الطبية بجبل تاي باي. تحتوي سلسلة جبال تشين لينغ على العديد من الأعشاب الطبية القيمة، قد تصل في مجملها إلى 2271 نوعا، من بينهم ما يزيد عن 640 نوعا من الأعشاب الطبية في جبل تاي باي فقط. حيث يقال إن الذهاب مرة واحدة إلى جبل تاي باي، يعادل قراءة ما يقرب من نصف كتاب "خلاصة وافية عن المواد الطبية".
فلسفة الطعام والشراب في مدينة شيآن:
يرى الكاتب الصيني يوان لين وهو من أبناء مقاطعة شانشي، أن المطبخ الخاص بمدينة شيآن قد تأثر بعاملين أساسيين، أولًا: ما يتعلق بأفكار الفيلسوف الصيني المعروف كونفوشيوس والذي يُركز على تناغم الإنسان مع الطبيعة، ومن ثم التمازج بين النكهات الخمس الأساسية وهي المالح والحار والحامض والحلو والمر. والثاني: هو التأثر بالأجواء التاريخية والملامح الجغرافية للمنطقة، حيث تسيطر على المدينة أجواء من المهابة والعمق والغموض. لذلك نجد المطبخ الخاص بمدينة شيآن قد قدم كلًا من نكهة الحامض والمالح والحار، ولكن دون تمييز نكهة محددة عن الأخرى، فقد أقترب أسلوب الطبخ بشكل كبير من الثقافة التقليدية الصينية والتي تقدر مبدأ الوسطية والتوافق وعدم الأنحياز لطرف دون الآخر.
أوبرا "خوا يين لاو تشيآنغ":
أدهش العرض الخاص لأوبرا "لاو تشيآنغ" في فيلم "سهل الظبي الأبيض" (2012) الكثير من المشاهدين. وفي الحقيقة فقد سبق أن استحوذت هذه الأوبرا خلال عرض فيلم "على قيد الحياة" للمخرج "جانغ أي موو" في عام 1990 على قلوب المشاهدين حول العالم. يمتد تاريخ هذه الأوبرا إلى أواخر أسرة مينغ وبداية أسرة تشينغ. ويعتبر أسلوبها الطبيعي والسلس هو أهم ما يميزها، وقد أٌطلق عليها "الأحفورة الحية للأوبرا الصينية"، وفيها يقوم أحد الأشخاص بالغناء، والباقي ينشد من خلفه على المسرح، فتُظهر هذه الأوبرا رونقها من خلال بحة أصواتهم العالية المفعمة بالحماس. وبالتأكيد فإن الاستماع إلى أوبرا "لاو تشيآنغ" بمدينة شيآن سيجعلك تتأثر وتنهمر الدموع من عينك.