مراد وهبة يعلن انكماش التفكير العقلاني

الأصولي يرفض إعمال العقل في النص الديني، أي يرفض تأويله من أجل الكشف عن المعنى الباطن.
الأصولية تعني الالتزام بالتفسير الحرفي للنص الديني ومقاومة أية نظرية علمية تناقض هذا التفسير الحرفي
مجتمع يتأسس على السمع والطاعة اسمه مجتمع القطيع

ينطلق د. مراد وهبة في كتابه "أفول العقل" من مواقف وتساؤلات طرحتها مجريات الأحداث في مصر انطلاقا من ثورة يناير 2011 وخروج جماعات الإسلام السياسي من إخوان وسلفيين ثم حكم المجلس العسكري وتولي الإخوان الحكم، ليكشف انكماش التفكير العقلانى، وسيادة التفكير المناهض للعقل، وما ترتب على ذلك من فقدان القيم الإنسانية وسطوة التطرف وانتشار العنف والارهاب، سعيا إلى تعرف الكثير من المفاهيم وتقديم رؤيته للخروج من الأزمة الثقافية والمعرفية التى تضرب المجتمع المصرى.
رأى د. وهبة - في تحليله للفتاوى التي أطلقها شيوخ من مناصري جماعة الإخوان أثناء حكمها ضد المعارضين بوجود القتل باسم الدين - أن الأصولي يرفض إعمال العقل في النص الديني، أي يرفض تأويله من أجل الكشف عن المعنى الباطن، وفي عبارة أخرى بأن الأصولي يقف عند حد المعنى الظاهر، أي المعنى الحسي للنص، وحيث إن المعنى الحسي واحد ولا يقبل التعدد فإن المعنى يرتقي إلى مستوى المطلق، لأن المطلق لا يستقيم إلا مع الواحد، وبالتالي تكون الحقيقة واحدة وليست متعددة، ومن هنا نقول عن الأصولي إنه يمتلك الحقيقة المطلقة ومن ثم فهو يقف بالمرصاد لم يناقضها ويدعو إلى حقيقة مطلقة مغايرة لأن من شأن هذه الدعوة أن تفضي إلى أمرين، إما أن تصبح الحقيقة المطلقة نسبية، وإما ألا تكون حقيقة على الإطلاق، وليس أمام الأصولي سوى الاستعانة بالعنف.
وقال إن الاستعانة بالعنف لن تكون ممكنة إلا إذا دخل العنف في علاقة عضوية مع ما هو مقدس، وهو هنا الحقيقة المطلقة، وإذا تفشت هذه العلاقة إلى الحد الذي تصبح فيه الدولة متمثلة لهذه العلاقة، فإنها تتحول في هذه الحالة إلى دولة أصولية أساسها العنف المقدس، وإذا أردت مزيدا من الفهم فانظر إلى حال الدولة المصرية في هذا الزمان فماذا ترى؟ دولة تبني ذاتها على أساس العنف المقدس وبنّاءوها هم الإخوان والسلفيون.

اليسار الأميركي دخل في تحالف غير مقدس مع الإسلام الراديكالي وهو تحالف مماثل لما كان بين هتلر وستالين في الاتفاق الذي أبرم بينهما في عام 1939 على الرغم من أن اليسار الأميركي كان يزهو بأنه عدو الفاشية.

وأشار وهبة إلى أن الأصولية - أيا كانت سمتها الدينية - تعني الالتزام بالتفسير الحرفي للنص الديني ومقاومة أية نظرية علمية تناقض هذا التفسير الحرفي ومن ثم يمتنع إعمال العقل في النص الديني، ولكل أصولية مؤسس وفي حالة الأصولية الإسلامية مؤسسها الفقيه ابن تيمية من القرن الثالث عشر، ولنتعرف على آرائه نقرأ في مؤلفه "درء التعارض بين العقل والنقل" حيث يقرر ابن تيمية أن الشرع يقوم على السمع، أي ما سمعناه من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن ما هو ثابت، ثابت بالسمع سواء علمنا بالعقل أو بغير العقل ثبوته، ومعنى ذلك أن ثبوت ما أخبرنا به ليس موقوفا على عقولنا، لأن مهمة عقولنا أن تعلم الذي سمعته دون أن تؤوله. 
والسؤال إذن: لماذا يرفض ابن تيمية التأويل؟ 
يرفضه لأن التأويل في رأيه يعني صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر، في حين أن كل آيات القرآن الكريم واضحة في معناها، وليس هناك خفاء، ولهذا ليس ثمة مبرر للتأويل، ولا أدل على رفض ابن تيمية للتأويل من قوله بأن التأويل تحريف الكلم عن مواضعه ومخالف لإجماع الأمة. 
ومعنى ذلك أن ابن تيمية يشترط الإجماع، ومن ثم فالتأويل ممتنع، والنتيجة الحتمية بعد ذلك أن يكون العقل مساويا للسمع. يقول "وجدت ما يُعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط، ولا يُعلم حديث واحد يخالف العقل أو السمع الصحيح". إذن طاعة العقل للسمع لازمة ومن ثم يتأسس المجتمع على السمع والطاعة والمجتمع الذي يتأسس على هذا النحو اسمه مجتمع القطيع.
وعلى نسق مقول أينشتاين "إن الله لا يلعب النرد" عند تشكك بعض علماء الفيزياء النووية في مبدأ العلية الذي يقرر أن لكل معلولة علة بالضرورة، ومغزى العبارة أن من يرمي النرد يجهل تماما نتيجة الرمي إذ أن المسألة كلها تخضع للصدفة. 

غلاف الكتاب
لماذا يرفض ابن تيمية التأويل؟ 

قال د. مراد وهبة "أما أنا فأقول إن الله لا يلعب سياسة في مواجهة الأصوليين (أقصد الإخوان والسلفيين) الذين يتوهمون أنهم على وعي مطلق بشرع الله وأنهم ـ بالتالي ـ قادرون وحدهم دون غيرهم على تشغيل هذا الشرع في المجال السياسي على الرغم من أن هذا المجال ينطوي على صراعات ومصادمات وتحايلات، وعلى فنون الخداع والمراوغات، وعندئذ يهتز شرع الله بالضرورة، ولكنهم لا يبالون بهذا الاعتزاز طالما أن المادة الثانية من الدستور باقية على الدوام. 
إلا أن هذا الدوام وهمي لأن الخبرة الإنسانية في مسارها الحضاري تعلمت درسا حضاريا وهو عند حدوث الوهم بأن شرع المطلقة ـ سواء كان هذا المطلق هو الله أو الدولة ـ يجب أن يطبق على شرع النسبي، وقد حدثت هذه النتيجة الحتمية في العصور الوسطى الأوروبية وفي الدولة العثمانية الاسلامية وفي ألمانيا في زمن هتلر وفي إيطاليا في زمن موسوليني. ففي هذه البلدان جميعا انهار المطلق وانهار معه كل ما لازمه من قهر وطغيان.
وتساءل وهبة: هل الخلافة الإسلامية التي يتوهم الإخوان إحياءها في زمن الكوكبية مماثلة للخلافة الإسلامية على نحو ما كانت قبل إصدار أتاتورك قرارا بإلغائها في عام 1924 والذي كان بمثابة كارثة في نظر العالم الإسلامي؟ 
وقال "لقد تأسست الخلافة في عام 1571 عندما تحكمت تركيا في معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقوقاز وجنوب شرق شرق أوروبا بما فيها بلغاريا ورومانيا والبانيا واليونان ويوغسلافيا وأجزاء من المجر. وأردوغان يسعى الآن جاهدا في تحقيق الخلافة الإسلامية بعد نسف التراث العلماني الذي ابتدعه أتاتورك. ومن ملامح ذلك استقباله رسميا لرئيس وزراء إمارة غزة الإسلامية إسماعيل هنية في عام 2006 وفي عام 2008 دعم حماس في عدائها لإسرائيل التي وصفها بأنها دولة إرهابية. وفي عام 2013 أعلن "أن الصهيونية جريمة ضد البشرية". 
وبقيادة أردوغان اتجهت تركيا نحو تطبيق الشريعة بخطى بطيئة ولكنها راسخة، وابتعدت عن الناتو والغرب، واتخذت موقفا عدائيا من اسرائيل بعد أن كانت متحالفة معها، مع موقف منحاز إلى إيران. والمفارقة هنا أن اليسار الأميركي دخل في تحالف غير مقدس مع الإسلام الراديكالي وهو تحالف مماثل لما كان بين هتلر وستالين في الاتفاق الذي أبرم بينهما في عام 1939 على الرغم من أن اليسار الأميركي كان يزهو بأنه عدو الفاشية، وقد تكررت المفارقة عندما اعترض اليسار على مهاجمة طالبان في أفغانستان إثر أحداث 11 سبتمبر/أيلول.