مراكش للكتاب الأفريقي يمد جسرا بين مختلف الثقافات بالقارة السمراء

فعاليات الدورة الثالثة من المهرجان تفتح نافذة على التعددية اللغوية والثقافية للأدب القاري، وتعزز حضوره على الساحة الدولية.

مراكش (المغرب) - يسدل الستار الأحد على فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان مراكش للكتاب الأفريقي التي احتفت بثراء وتنوع الأدب والفن الثقافي بالقارة الأفريقية، حيث تميزت نسخة هذا العام ببرنامج غني انتظم بمشاركة حوالي خمسين مؤلفا وفنانا يمثلون أكثر من عشرين بلدا وثلاث قارات.

وقال الكاتب والرسام المغربي والمؤسس المشارك للمهرجان ماحي بنبين إن المهرجان يهدف إلى أن يكون منبرا لتوحيد الأفارقة والمنحدرين من أصول أفريقية وأبناء المهجر من خلال الأدب والثقافة.

ويعد هذا الحدث فرصة لأدباء ومثقفي القارة "للالتقاء في أفريقيا" واستكشاف ثرائهم الثقافي الخاص بدلا من "النظر فقط نحو الشمال"، وفق ما صرح به بنبين في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، لافتا إلى أن الهدف من المهرجان يكمن في خلق فضاء للحوار والاكتشاف والاعتراف المتبادل، حيث تتلاقى المخيلات وتتغذى من بعضها البعض، وذلك عبر نسج روابط بين المبدعين الأفارقة لتعزيز إشعاع تراثهم المشترك.

وتسعى هذه التظاهرة الثقافية إلى ترسيخ مكانتها كحدث بارز يعكس ثراء وتنوع الأدب الأفريقي، وذلك من خلال تسليط الضوء على تعدديتة اللغوية والثقافية وتعزيز حضوره على الساحة الدولية، وفق ما أكده المندوب العام للمهرجان يونس أجراي.

وفي تصريح مماثل، أشار أجراي إلى أن "الأدب الأفريقي في صلبه أدب متعدد، وهذا ما يحاول المهرجان الذي تستضيفه المدينة الحمراء إبرازه"، مضيفا "لا يمكننا الحديث عن أدب أفريقي واحد، بل عن "آداب أفريقية متعددة، إذ نكتب في المغرب كما في بلدان أخرى، ونعبر عن تجارب مختلفة بلغات متنوعة"، لافتا إلى أن "الأدب الأفريقي" بصيغة المفرد لا يعكس الواقع الثقافي للقارة، التي تضم 54 دولة، لكل منها هويتها الأدبية الخاصة.

وشدد على أن الأدب الأفريقي لا ينحصر في ما يكتب داخل حدود القارة، بل يمتد على المستوى العالمي من خلال حضور وازن لكتاب لهم انتماء أفريقي، مشيدا بالتاريخ الطويل والمزدهر للكتاب الأفارقة الذين نالوا جوائز عالمية مرموقة.

وقال أجراي إن الدورة الثالثة من المهرجان تسعى إلى تعزيز المكتسبات التي تم تحقيقها في الدورات السابقة، مؤكدا أنه رغم حداثة عهده، إلا أن الحدث الثقافي الذي تستضيفه مراكش استطاع فرض نفسه على المستويات الوطنية والقارية والدولية.

ومنذ دورته الأولى التي نجحت في حشد أكثر من 45 كاتبا أفريقيا ومنحدرا من أصول أفريقية ومن المهجر، فإن المهرجان حدد هدفا له يتمثل في منح صوت لكتاب القارة وتوفير منصة لهم للقاء الجمهور، وفق بنبين، متابعا أن هذه النسخة التي استقبلت شخصيات نسائية بارزة في النقاش الفكري مثل كريستيان توبيرا ونجاة فالو بلقاسم، تتميز بتنوع المشاركين فيها وثراء المداخلات.

وأوضح أجراي أن التركيز على "الأصوات النسوية" في الأدب الأفريقي جاء انطلاقا من قناعة بأن للنساء رؤية خاصة للعالم ينبغي الإنصات إليها، لاسيما في مجتمع يغلب عليه الطابع الذكوري، قائلا إن "الأدب، سواء كان للنساء أو الرجال، هو وسيلة للسفر عبر مخيلات الشعوب واستكشاف ثقافاتها. لكن هذه السنة، أردنا أن نفسح المجال أكثر للكاتبات، لأنهن يقدمن نظرة مختلفة للحياة. في عالم يهيمن عليه الرجال، من الضروري أن نسمح لأصوات النساء بأن تسمع أكثر".

كما تم تعزيز البرمجة الفنية للمهرجان هذه السنة لتشمل السينما، والمقاهي الثقافية، والفنون التشكيلية، والموسيقى، والشعر، في علاقتها مع الكتاب، بالإضافة إلى أن برنامج المهرجان قد أولى اهتماما خاصا بالشباب من خلال تخصيص فعاليات متنوعة لهم، لاسيما من خلال تنظيم لقاءات أدبية في الجامعات والثانويات وإطلاق جائزة مراكش للمدارس الثانوية، التي تتيح لحوالي 200 تلميذ فرصة التفاعل مع الكتب على مدار العام، مما يشجع فعل القراءة والكتابة لديهم.

ويرى المندوب العام للمهرجان أنه رغم الحضور المتزايد للأدب الأفريقي على المستوى العالمي، إلا أن الكتاب الأفارقة يواجهون صعوبات كبيرة في النشر والتوزيع داخل القارة، مشيرا في هذا الصدد إلى أن أغلب الكتاب يلجؤون إلى دور نشر أوروبية أو عربية للوصول إلى جمهور أوسع، بسبب ضعف إمكانيات النشر والتوزيع في أفريقيا.

وكشف عن بلورة رؤية تهدف إلى خلق شبكة بين دور النشر الأفريقية، مما سيمكننا من خفض تكاليف الإنتاج والتوزيع، وبالتالي إتاحة الكتب بأسعار معقولة للجمهور.

أما عن تأثير التكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، على الأدب، فأكد أجراي أنه لا يمكن للتقنيات الحديثة أن تحل محل المخيلة الإنسانية، غير أنها قد تكون أداة مساعدة للكتاب في البحث والتوثيق، ما يسهم في توفير الوقت والجهد.

ويشكل المهرجان الذي أطفأ هذه السنة شمعته الثالثة "جسرا مهما" للتبادل والحوار بين مختلف الثقافات بالقارة الأفريقية، وفق الكاتبة التونسية أميرة غنيم، وأضافت في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء خلال فقرة ماستركلاس أطرتها، الجمعة، بخزانة جامعة القاضي عياض بمراكش، أن "هذا المهرجان يعد فضاء متميزا للحوار والتبادل حيث يتيح فرصة ملائمة للقاء مع كتاب آخرين وكذا مع دور نشر تمثل التنوع والغنى الثقافي بالقارة".

وتابعت أن "هذه التظاهرة تتيح لنا خلق شبكة علاقات مهمة من أجل التعاون في المستقبل"، مبرزة أنه "رغم اختلافنا الثقافي واللغوي، لدينا نفس الطموحات ونفس الأحلام والمشاكل والتحديات"، مضيفة "نكتب حول مواضيع مختلفة ولكن لدينا أدب عالمي يمكننا من مناقشة وتبادل التجارب والقصص الإنسانية".

ولفتت إلى أهمية إشراك الجمهور من خلال نقاشات ماستركلاس مما يمكن أيضا من إعادة قراءة الأعمال الأدبية ومناقشة تطور الأدب سواء بالقارة أو على المستوى العالمي، مشيرة إلى أن "المهرجان يقدم لنا فرصة التواصل المباشر مع القراء من أجل إعادة اكتشاف أعمالنا"، موضحة أن تحليلات القراء والنقاد "تغني معارفنا ورؤيتنا ككتاب".

ويروم مهرجان الكتاب الأفريقي بمراكش الذي تنظمه جمعية "نحن فن أفريقيا" (We Art africains) إلى غاية الثاني من فبراير/شباط الجاري، الاحتفاء بالأدب والثقافة الأفريقيين. ويتيح للجمهور من مختلف الأعمار، المشاركة في فعالياته والولوج بالمجان إلى جميع المواقع المحتضنة لأنشطته، من أجل تقريب الثقافة والفن من المشاركين.

وتهدف هذه التظاهرة الثقافية التي أضحت حدثا ثقافيا مميزا إلى المساهمة في التأثير الثقافي والفني بأفريقيا من خلال إبراز ثراء أدبها وفنونها. كما تسعى إلى تشجيع الثقافة والكتابة ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال الفن.