مرحلة ما بعد العبادي

فرصة تاريخية اتيحت للعبادي، لكنه - وهو الأدرى بإمكاناته - اختار ان يضيعها بالوعود.

بعد أن أصبحت ملامح الكتلة الأكبر واضحة وملموسة، وتشير بصراحة متناهية الى انكشاف الغطاء عن السيد حيدر العبادي واستبعاده عن رئاسة الحكومة الجديدة، وبعد الاقتراب من مرحلة ما بعده، وتاريخ نهاية صلاحيته، لابد من بعض الشيء عنه وعن عهده الذي بدأ قبل أربع سنوات، عندما كان العراق على حافة الإنهيار.

حيدر العبادي، رغم أنه ليس صاحب تضحية، ولا سابقة له في الجهاد والنضال، وإنه ليس من المفكرين والرموز الحركية والقيادات التاريخية في حزبه، ولم يحصل في إنتخابات 2014 على أصوات كافية توصله الى قصر الرئاسة أو حتى عتبة البرلمان، حصل (بالصدفة وكمرشح تسوية) على ما لم يحصل عليه كل الذين سبقوه، ولا يحصل عليه من يليه. حصل على دعم الولايات المتحدة وإيران والسنة والشيعة والكرد وأحزابهم، وجعلوه عنوة رقماً من الأرقام.

راهن عليه الكثيرون واعتبروه رئيساً وسطياً قادراً على إنهاء المشكلات والأزمات وإجراء إصلاحات سياسية وإقتصادية، وتقديم الخدمات في مجالات الكهرباء والصحة والمياه والتعليم وإعادة الحياة الى البنى التحتية المدمرة. أما هو الذي كان الأدرى بعدم إمتلاكه للشجاعة الكافية والحزم اللازم للتصدي للآفات التي تهدد العراق والعراقيين، فقد استغلها في بيع الوهم، وراهن بالكامل على إطلاق الوعود السخية الكثيرة التي لا تكفي لطمأنة نصف العاقل، واعتبرها أوراقاً رابحة يمكن أن تحمل معها الايجابيات.

كابر وعدد الإنجازات قبل أن يباشر بتنفيذها وتباهى كثيراً بانتصاراته المزعومة وديمقراطيته وعدالته من أجل أن يغطي على أمور أخرى. لم يحقق من وعوده الكثيرة سوى الجزء اليسير. تفنن في تقديم المبررات، وكل برامجه بقيت في إطار خدمة ضمان البقاء على قطار السلطة.

نهجه في الحكم وفي التعامل مع الأحداث والوقائع لم يختلف عن نهج السابقين له، ولم يفهم الدرس، ولم يفعل أي شيء من أجل تهدئة أسوأ التجاوزات التي حصلت في عهده. حاول التفرد بالقرار وأثار الكثير من الاستفهام والأسئلة والاعتراض والانتقاد.

بصريح العبارة يمكن القول أن فترة حكمه كانت أضعف فترة في تاريخ العراق، وإنه فشل وعجز حيال التعهدات التي قدمها، والفاشل العاجز، خاصة وإن كان كثير الجدل والكلام ويتعب السامعين ببعثرته وتشتته، فإنه يفقد المصداقية ويكشف نقاط ضعفه إن اختار الدخول في السجالات والمواجهات، أو تهرب منها، ويتسبب بخيبات الأمل ويسجل تراجعاً في شعبيته، ويفقد الغطاء الذي كان يحميه، ولا يحظى بأي تعاطف في أوساط الذين ساندوه بالأمس خشية من اتساع رقعة الاضطرابات ضدهم وتوجيه الاتهامات نحوهم، وحتى الذين يؤكدون على تنحية الخلافات جانباً للحفاظ على المصلحة الوطنية أدركوا أن لدى العبادي مشكلات كبيرة على مستوى الشعبية.

أما مرحلة ما بعده، فهي بحاجة الى حكومة تتحلى بالإرادة القوية والرغبة في إعادة الثقة المفقودة بين المكونات والأحزاب والكيانات والكتل من منطلقات أساسية سليمة، وتفاهمات مشتركة لإنهاء التوترات والأزمات ولملمة الجراح. حكومة تتخذ خطوات جدية باتجاه تدارك أخطاء الحالية والسابقة، تخلص في أداء واجبها وتضع حلول ناجعة وعاجلة للمشكلات التي أصابت كل المؤسسات في البلاد، وترتكز على أسس وطنية واقعية وتتعامل بعدالة مع جميع مكونات الشعب العراقي، لكي تخلق الثقة بالمستقبل وتوقظ الأمل في النفوس وتحصل على الدعم والمساندة والمشورة الداخلية والخارجية معاً.