مستقبل تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير في السودان

التحالف، أو التحالفات، أكبر من قدرته على التوافق على مشاريع تجمع تناقضات القوى المشلكة له.

في الأول من يناير/كانون الثاني وقًع تجمعُ المِهنيين ومجموعة من تحالفات الأحزاب والقوى المدنية ما بات يُعرف بـ "إعلان الحرية والتغيير" وهي مسودة تحتوي على رُؤية هذه القوى لطبيعة الفضاء السياسي والإجتماعي الإنتقالي. لاحقاً، أنضمت مجموعة كبيرة من التجمُعات المِهنية الوظيفية كأساتذة الجامعات ومُوظفي القطِاع الخاص والمنظمات المدنية والمرأة وأصبح جبهة "عريضة" بالمعنى الحرفي للكلمة، وفي نهاية المطاف أصبحت جبهة قوى إعلان الحرية.

لِقراءة مُستقبل هذه القوى يجبُ التعرف على الفاعِلين الرئيسين في هذا التحالف وهم: تجمع المهنيين وقوى التغيير، والمجلس العسكري، والحركات المسلحة. وبتتبع مسارات مُكونات هذا التحالف السياسية وتفكِكيها رُبما نستطيع أن نتوقع مُستقبلها.

لنبدأ أولاً بفصل تجمع المهنيين من قوى التغيير، لأن التجمُع بالأساس هو جِسم نقابي إنتحل الشخصية السياسية الصرفة لأسباب موضوعية ربما بدأت تتلاشى وحان الوقت لتُواجه الأحزاب الجماهير وجهاً لوجه.

الحركات المُسلحة بالطبع ليست جسمًا واحداُ، وإنما متوزعة داخل التحالفات المختلفة وخصوصاً "نِداء السودان" وبالتالي سننُظر في مستقبلها ضمن تحالفاتها. وحركات أخرى ليست جزءا من أي تحالف. وفي كل الأحوال فأن السِياق الثوري عموماً رُبما لا يضع هذه الحركات في المقدمة وذلك لطبيعة وسيلتها في التغيير في مُقابل الوسائل الشعبية التي أثبتت نجاعتها، وبالتالي في هذه المرحلة ربما لا يكون صوتها عاليا ومؤثرا في خِضم الزخم الثوري، خصوصا وأن خُصومها التقليديين قد ذهبوا.

صَحيح أن هذا التحالف ذُو طابٍع مرحلي، إلا أنه وبتوقيعه على إتفاق تقاسُم السلطة ربما ينفي عنه هذه الصفة. التحالف مكون بالأساس من أحزاب سياسية تقليدية تختلف في مرجعياتها وأيدلوجيتها إلا أنها تكتلت في نهاية المطاف في "تحالفات" قوى التغيير الثلاث الرئيسية والمؤثرة: وهي نداء السودان وقوى الإجماع الوطني والتجمع الإتحادى المعارض. إذن التحالف هو عبارة عن تحالفات كُتل. وبمراقبة وفحص إستراتيجيات هذه التحالفات ومواقفها ربما نستطيع أن نرى مستقبلها.

أول ما يمكن تلمُسه من مواقف هذه الكتل أن إستراتيجتها في إدارة التغير ليست واحِدة. فتحالف نداء السودان ينتهج سياسة براغماتية تعمد الى تحصيل المكاسب المُتاحة والبحث عن المزيد. وإستراتيجية قوى الإجماع تكمن في التعويل على الشارع المنتفض وإنتزاع المكاسب دفعة واحدة. وبالتالي يُمكنني أن أزعم أن هذا التحالف الضخم غير مُنسجم وأن هناك تباينا واضحا بين مكوناته يظهر من خلال مواقف نداء السودان من جهة وقوى الإجماع الوطني من جهة أخرى. ولهذا الزَعم ما يدعمُه من المؤشرات والمواقف التي طفت على السطح.

بعد التوقيع النهائي على الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية في 17 أغسطس/آب 2019 إنتقلت العلاقة بين قوى التغيير والمجلس العسكري الانتقالي بالفعل لمربع الشراكة وبالتالي إعادة تموضع كل الفاعلين الأساسيين في المشهد السياسي حيث عاد تجمُع المِهنيين إلى دوره الرقابي والنقابي بحسب الوعود التي قطعها للجماهير بعدم مشاركته في السلطة الانتقالية.

الفعل الآخر اللافت هو مُغاضبة الجبهة الثورية ورفضِها الإتفاق النهائي، في ظل عدم تضمِين مخرجات إجتماعاتها مع قوى التغيير في أديس أبابا في هذا الشهر، وهو ما ترتب عليه عدم حضورها ومشاركتها في حفل التوقيع المحفُول المشهود أفريقياً وعربياً.

عموماً بدا هناك ملامح شراكة حقيقة بين قوى التغيير والمجلس العسكري تمظهرت في إنسجام الخطاب الإعلامي وسرعة البدء في التنفِيذ الفعلي للاتفاق.

إقتصادياً نجاح قوى التغيير رهين بمدى نجاحاتها في معالجة الوضع الإقتصادي المتأزم، وهو أحد العوامل الكفيلة بتحقيق إستقرار للفترة الإنتقالية وزيادة رصيدها الجماهيري حتى الوصول للإنتخابات بعد ثلاث سنوات.

وتأسيساُ على ما سبق يُمكننا أن نتكهن بمستقبل قوى التغيير في واحدة من ثلاثة مسارات.

المسار الأول: الذهاب إلى الإتفاق مع الجبهة الثورية وإدخالها في الحكومة والمجلس التشريعي بإتفاق سلام شامل يعطي ضمانات أكثر لتحقيق إستقرار سياسي وأمني لفترة الإنتقال.

المسار الثاني: ذهاب الجبهة الثورية للمُعارضة وهو أمر وارد في ظِل عدم استيعاب مطالبهم أو مُقاربتها، وهو أمر سيكون مكلفا جداً في شقه السياسي والإقتصادي.

المسار الثالث: وهو في حال إهتزاز الثقة بين العسكريين وقُوى التغيير سينعكس ذلك على تماسك التحالف الهش أصلا، مما يُهدد بفض الشراكة، مع ترجيح بقاء الأحزاب التي تنتهج السياسة البراجماتية لإكمال الطريق الإنتقالي مع العسكريين. ربما يفضي ذلك إلى الوصول لانتخابات مُبكرة، الأمر الذي ترفضه مجموعة من الأحزاب لأسباب موضوعية تارةً وأخرى لخوفها من أن تكتشف حجمها الجماهيري.

وعليه أستطيع القول بأن تجربة هذا التحالف كانت تجربة ثرية في فضاء الإجتماع السياسي في السودان. لكن ضخامة حجمه وإختِلاف إستراتيجة كل "حِلف" منهم في تحقيق أهدافه، إضافة لأخطائهم المتكررة في تقدير أوزان القوى الداخلية والخارجية تُعتبر أكبر مهددات إستمراره بتركيبته الحالية.

وأيضا أعتقد بأن المُستحضر الدستوري "الوثيقة"، قد لا تُؤمن إنتقالا سياسيا آمنا ومستقرا، نظراً لتجاهلها مطلوبات الجبهة الثورية في تضمين إتفاقها في الوثيقة النهائية الأمر الذي يُعتبر أيضا من مُهددات فترة الإنتقال السياسي ومهددات قوى التغيير نفسها لأن الجبهة الثورية جزء من تحالف التغيير الأساسية.