مسرحية فضل الجبوري تثير مشاعر سلبية عبر أسلوب الحوار الرخيص والمبتذل

كان من الممكن لصناع العرض معالجة النص بشكل أكثر توازنا ًمن خلال تناول الطبقة السياسية التي أسهمت في إنتاج خراب المشهد العراقي.
"فرحان عاف الخرفان" موضوعة عراقية ليس فيها من جديد يذكر
العرض المسرحي هو نتاج لثلاثة عناصر

بقلم: قاسم ماضي 
انطلق فريق  العرض المسرحي الذي شُكل أخيراً بين كندا وأميركا على ما يبدو،  ليقدموا أول  عروضهم المسرحية الجديدة في ولاية ميشيغان، وعلى قاعة مسرح "ثانوية ستيرلنك هايتس" . وكانت المسرحية بعنوان "فرحان عاف الخرفان" وهي من تأليف الكاتب والفنان طلال هادي، وإخراج الفنان فضل الجبوري. وتمثيل نخبة من العراقيين ومنهم، فضلي نصيف، غسان العزاوي، حميد دلي، ثائر العزازي، الكسندرا، أنجل، رولا، وصباح بقجة، وشيخ المسرحيين المغتربين هاني نوري وغيرهم.  
 يقول جوليان هليتون: إن العرض المسرحي هو نتاج لثلاثة عناصر، المؤدي، الفضاء المسرحي، والزمن. ويضيف: والعرض المسرحي شكل متسلسل يتسم بالديناميكية، والحركة المستمرة في الزمن. 
ومع الأسف الشديد، يبدو أننا نمر بزمن التقزم في هذه الأيام، والتي يطلق عليها أيام العولمة الثقافية، التي جعلت البعض منا يفقد الكثير من المقومات ومنها إهمال القراءة والمتابعة، وتعميق دور الثقافة فباتت السمة الابرز لعصرنا الراهن هي اللغة الرقمية التي يتم توظيفها في مخرجات سطحية وإستهلاكية لا دور لها في عملية بناء الانسان الذي يعد القيمة الابرز التي أصابها العطب في ظل تصاعد الصراعات وشيوع الثقافة الاستهلاكية والمادية على حساب القيم الجمالية والإنسانية. 
وبالتأكيد تلك الظاهرة من شأنها أن تنعكس على حركة الفن والأدب، حيث تضيع الفرصة  لاستثمار الوقت لتقديم عروض مسرحية يغلب عليها طابع الإبداع والتجديد. 

حتى لا تشوه القيم الجمالية
قصدية غير بريئة

يقول مخرج العمل كلمته في بداية "البروشور" الذي وزع اثناء العرض المسرحي: "أليس من حق العقل ان يبتكر ليدعم الابتكار، افتراضيات جديدة تسهم بما يليق بذائقة المتلقي، إبداعنا مقرون بعمر بقائه في ذاكرتكم. ومن هنا نقول إن  المسرح "أول نوع من أنواع الفنون، والذي عُرف قديما عند أغلب شعوب العالم، وكان ولا يزال له دور مهم في التأثير بالعديد من الفنون الحديثة رغم إنتشار منصات التواصل الاجتماعي وازدياد الفضائيات، وهو عالم مختلف بأبعاده وتصميمه وألوانه، فعلى المشتغلين فيه أن يكونوا بمستوى الطموح الذي تركه المسرح من حيث الأنساق المسرحية المتعارف عليها حتى لا تشوه القيم الجمالية التي طرحت من كبار الفلاسفة المشتغلين في هذا المجال.
جاء الكاتب والفنان المعروف طلال هادي ليطرح ثيمة درامية من شأنها إثارة الكثير من التساؤلات الحساسة في مجتمع لا يزال يعاني آثار النعرة الطائفية التي خلفها الصراع السياسي وليس العامل الاجتماعي، ليقدم خطابا ًلا يحبذه أي مبدع في هذا المجال أو غيره، وذلك من خلال الشخصية الرئيسية "فرحان" والتي مثلها الفنان غسان العزاوي، وهي شخصية جنوبية بامتياز، وظفها المخرج بطريقة ساخرة الأمر الذي أثار سخط عدد من المتفرجين في القاعة الذين يرون بأن تقديم الشخصية الجنوبية بهذه الطريقة يحمل في طياته قصدية غير بريئة، معتبرا ً أن هذا العرض المسرحي يستهدف فئة من المجتمع العراقي وربما كان القصد من وراء ذلك هو توجيه انتقاد شديد اللهجة إلى الطبقة السياسية التي تنتمي لهذه الفئة التي أمسكت بزمام الكثير من الأمور في العراق وفشلت فشلا ً ذريعًا، ومن خلال توظيف شخصية "فرحان" الذي ظهر بمنظر بائس يدل على أن هذه الفئة من المجتمع غير صالحة لقيادة البلد، مستخدماً الكثير من المفاهيم الخاطئة التي تحملها تصوراته، في حكاية انطلق منها مؤلف العمل تتلخص بإن "فرحان" القادم من المناطق الجنوبية في العراق الى الولايات المتحدة الأميركية عن طريق إبن عمه المقيم منذ زمن مصاب بمرض "العقم"، ليظهره لنا من وسط الجمهور وهو يحمل بيده "المكوار" وبملابس رثة، وذات رائحة كريهة من خلال عدم استحمامه، أكدها لنا المؤلف والمخرج معا، مما شكل عائقا لجميع مستقبليه في بيت "ابن عمه" والتي مثل الشخصية "فضل الجبوري" باعتباره "بزنس مان" لديه الكثير من المشاريع داخل الولايات وخارجها، الذي يفقد جميع أمواله عبر عملية إحتيال من قبل "فرهود" وهو خال أولاده، وأخو زوجته. 
ظل العمل يطرح الشخصية الجنوبية على خشبة العرض، حيث حاول المؤلف والمخرج إظهار أهل الجنوب في قالب يعكس حالة التخلف، عبر استخدامهم  حورات  سطحية تدل على بيئتهم التي أتوا منها، ولا أريد أن أخوض أكثر في تفاصيل هذا النص، والذي أخفق في خلق حدوتة متوازنة قادرة على محاكاة ما يجري في العراق دون تمييز مناطقي أو طائفي بل ما تم تقديمه محاولة لانتقاد واقع موجودة ولكن عبر وسائل خاطئة أسهمت في خلق انطباعات سلبية لدى المتلقي الذي اتهم فريق العمل بإنتهاج مفاهيم طائفية وللأسف. 
كان من الممكن لصناع هذه العرض معالجة النص بشكل أكثر توازنا ًمن خلال تناول الطبقة السياسية بمختلف تلاوينها التي أسهمت في إنتاج خراب المشهد الذي يعاني منه العراق اليوم، فجميع من شارك في العملية السياسية فشلوا في بناء عراق مزدهر آمن وسيد ومستقل ودولة مواطنة بل الجميع تهافت ومازال يتهافت على السلطة والمال، وفي الوقت الذي يعاني فيه العراق من هذا الخراب فإن من أولويات استرداد العراق لعافيته هو العمل على بناء الإنسان العراقي الذي أصابه العطب بفعل الحقب الزمنية الصعبة التي مر بها، وبفعل ما مورس عليه من قبل الأحزاب الحاكمة من تخريب عقلي وفكري عبر عملية غسيل الدماغ من خلال وسائل إعلام الأحزاب. ومن أذرع تلك الاحزاب التي مزقت النسيج الاجتماعي العراقي الجميل عبر الخطاب الطائفي الذي أسهم في خلق حالة من الانقسام المجتمعي لا يزال العراق يعاني، لذا فالفنان والأديب والمفكر بات مطالبا ًمن أكثر من أي وقت مضى في أن يسهم في إعادة بناء الذات العراقية والشخصية العراقية وفق معايير إنسانية ووطنية ليتمكن الإنسان العراقي من استعادة الثقة بنفسه ليسهم بشكل فاعل في بناء بلده. 

ولعل أصعب مهمة تواجه العراق اليوم الى جانب الإعمار والخدمات والأمن وتوفير الوظائف هي عملية إعادة بناء الإنسان العراقي الذي فقد الكثير من قيمه الجمالية نتيجة ما مر به المجتمع العراقي من أهوال. ويبقى الفنان والأديب والمفكر هم العناصر الأكثر قدرة على التعاطي مع تلك المهمة الصعبة.
 وفيما يتعلق بلغة العرض المسرحية المرئية فلم تستند الرؤيا الإخراجية المسرحية التي تمظهرت بشكل تقليدي من خلال المنظر الواقعي بمفرادته الديكورية المألوفة لأي بيئة واقعية معاصرة، وكان بإمكانه توظيف الاكسسوارات التي ظهرت على المسرح بطريقة ديناميكية تساعد الممثل في حركته وتخلق نوعا ًمن الشغل المسرحي، ولكن الطابع العام للعرض ظل مرتكزا ً على استخدام الطبقات الصوتية لتعزيز الحس الكوميدي، كما تم توظيف عنصر الغناء لإيصال بعض الرسائل التي تدعو للمحبة والسلام.
ويشار الى أن بعض الممثلين لجأوا إلى حالة من الارتجال لخلق الفكاهة لدى الجمهور بيد أن البعض تسبب في إحداث خلل في إيقاع العرض حيث لم يتحقق الانسجام الكامل بين الممثلين فكل ممثل كان يؤدي دوره بمعزل عن الشخصية الاخرى الأمر الذي أفقد العرض حيوية الإيقاع التي تبنى على تسلسل منطقي في مستويات الأداء لدى الممثل والتي من المفترض أن تتفاعل مع أنساق العرض الأخرى لإيصال المعنى المطلوب، وهنا أحمل المخرج "الجبوري" المسؤولية الكاملة لكونه لم يرتق إلى التعامل مع الشخصيات بشكل منظم ومدروس حتى يتمكن من ضبط الإيقاع المسرحي، كما أن العرض المذكور لم يفلح في توظيف الشخصيات النسائية بشكل موضوعي بل حاول توظيفها بشكل مثير للغرائز وتلك مسألة تسيء للمرأة التي لم تعد مجرد عنصر ضعيف في المجتمع، فالمرأة اليوم باتت أكثر أهمية من ذي قبل من خلال ما وصلت إليه من مراتب وظيفية مؤثرة، ومن العيب إظهارها على أنها مجرد جسد لإشباع رغبات الرجل، تلك النظرة التقليدية تجاوزتها الكثير من المجتمعات وعلينا النظر إلى المرأة بوصفها عنصرا ً فاعلا ًمؤثرا ً في المجتمع. 
ويبقى محاولة لتقديم كوميديا واقعية بذل فيها الممثلون جهدا ً كبيرًا، ولكن القصور في الإخراج وربما قلة التمرين ألقى بظلاله على سياق العرض، فضلا ًعن ثيمة العرض المثيرة للحساسية. وفيها من التجني الكثير على الآخرين.