مصر: معركة صاخبة حول اعادة ترميم جامع ابن طولون

بات جامع احمد بن طولون الذي يعتبر من روائع فن العمارة الاسلامية ويجد فيه بعض المصريين واحة هادئة للصلاة والتأمل بعيدا عن ضجيج القاهرة، موضع معركة صاخبة ترافقت مع بدء اعادة ترميمه قبل اشهر عدة.
فمن جهة هناك وزارة الثقافة وشركات المقاولات المنهمكة في برنامج تبلغ ميزانيته54 مليون دولار لاعادة ترميم 150 مسجدا ومعلما اثريا تجعل "القاهرة الاسلامية" ضمن لائحة التصنيفات التراثية التي اقرتها منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "يونيسكو".
ومن جهة اخرى، تشكل فريق من الخبراء المصريين والاجانب يؤكد ان وزارة الثقافة بصدد تدمير هذه المدينة الاثرية التي تعود الى العصور الوسطى بزعم انها تسعى الى الحفاظ عليها.
الا ان الجميع يوافق على ان المعالم الاسلامية في القاهرة مهددة بشكل جدي من الرطوبة ونشع المياه الجوفية وعوامل التلوث والغازات المنبعثة في مدينة يبلع عدد سكانها 16 مليون نسمة وما زلت تشهد عمليات توسع عمراني عشوائية.
لكن الخلاف يدور حول طبيعة اعمال الترميم ومداها وخصوصا المتعلقة منها بجامع ابن طولون.
ويشدد المعارضون على ان المسجد الذي شيد بين العامين 876 و879 ويعتبر اقدم "شاهد معماري على الحضارة الاسلامية في مصر بحيث حافظ على كيانه الاساسي" وطالبوا بالابقاء عليه كما هو رغم حاجته الى العناية.
وخلال التجوال في القاهرة الاسلامية، يمكن مشاهدة الجدران الرملية بلونها الابيض الغامق واعمال الترميم التي بدأ تنفيذها العام 1998.
وفي مسجد ابن طولون، اقدمت شركة اسوان على نزع حجارة ارضيته القديمة الفريدة غير متساوية الاحجام ووضع بلاطات من قياس كبير مكانها.
وقال سعيد ذو الفقار المسؤول السابق في اليونيسكو والامين العام لمنظمة تراث دون حدود ومقرها باريس "انهم يريدون اعطاء المسجد نفحة جديدة وطابعا نظيفا وحديثا" واضاف ان عملية ازالة الارضية والتبليط "تكلف ثروة طائلة فما هي مبررات ذلك بينما كان هناك حجارة بسيطة قبل 1200 عام؟"
ومن جهته، اكد الخبير صالح اللمعي ان كل هذه النفقات ليس لها سوى مبرر واحد وهو "حجم الاموال التي ستجنيها الشركات" من هذه الاعمال.
وكان تقرير لليونيسكو صدر منتصف آب/اغسطس الماضي اوضح ان بعض اعمال الترميم تقوم على اسس جيدة لكنه انتقد عمليات التنظيف بواسطة الرمل والتي ادت الى تدمير بعض الزخارف او غيرت شكل حوض احد المساجد الذي يعود الى القرن الرابع عشر عبر وضع اضواء تجعله اقرب الى "حوض جاكوزي".
ووجه اكثر من 30 اخصائيا العام الماضي رسالة الى زوجة الرئيس المصري سوزان مبارك تندد بالاضرار التي لحقت بـ31 معلما اثريا.
ووقع الرسالة استاذة الفن الاسلامي في جامعة السوربون ماريان باروكان وجامعة هارفرد اوليغ غرابار واندريه ريمون من جامعة اكس ان بروفانس واسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الاسكندرية.
وقال الموقعون ان بعض اعمال الترميم تقوم بها شركات لا تملك خبرة في هذا المجال خصوصا وانها "استبدلت اعمدة بعض المساجد بالاسمنت" واستخدمت مادة في جامع ابن طولون كانت اليونيسكو حظرت استعمالها.
ورفضت السلطات المصرية الاتهامات لكنها نظمت ندوة الاسبوع الماضي حول ترميم المعالم التاريخية دعت اليها غالبية الموقعين على الرسالة.