معراج شاعر متصوّف لوطنه الفلسطيني المستلب

الشاعر عمر أبو الهيجاء وقع ديوانه "وأُقبلُ التراب" بمعرض "عمان للكتاب2018 "
لا أستطيع أن أتحدث عن ديواني الشعري هذا
الديوان يؤكد على أهمية العلاقة بين الكاتب والوطن

عمان ـ وقع الشاعر عمر أبو الهيجاء ديوانه الشعري المعنون "وأقبّل التراب"، في جناح وزارة الثقافة الفلسطينية بمعرض عمّان الدولي الثامن عشر 2018، وحضر حفل التوقيع حشد كبير من المثقفين من الشعراء والنقاد والأدباء وعدد كبير من المواطنين رواد المعرض.
ويأتي هذا العمل الشعري الحادي عشر للشاعر أبو الهيجاء بعد رحلة المشاركة في معرض الكتاب الدولي الذي نظم في فلسطين قبل عام 2012، حيث تنسّم ذراها، وأوغل في تلمس ترابها، وتحدث مع أشجارها لأول مرة في حياته وهو من أصول من فلسطينية.. اللاجىء والمنفي. 
قال الشاعر عبدالسلام عطاري مدير عام الآداب والنشر والمكتبات بوزارة الثقافة الفلسطينية حول إصدار الديوان وتوقيعه بمعرض عمان الدولي للكتاب 2018: نحتفي بوزارة الثقافة الفلسطينية بهذا المنجز الأدبي والإبداعي للشاعر عمر أبو الهيجاء الذي جاء نتيجة  لزيارتين للشاعر إلى فلسطين الذي من خلالها كرّس مفهوم العودة الثقافية، تلك السياسة التي أصلها  بوعي كبير الدكتور إيهاب بسيسو وزير الثقافة الفلسطينية من خلال التركيز على دعوة الكتّاب والأدباء العرب إلى فلسطين من خلال المناسبات والأنشطة الثقافية المختلفة حيث أتت نتائج هذه الزيارات أكلها من خلال الإصدارات التي أعادت فلسطين إلى الخطاب  الثقافي العربي وجعلت منه عنوانا ثقافيا إبداعيا تجلى في نصوص الكتّاب والأدباء العرب والفلسطينيين في الشتات والمنافي. 
ولعل هذا  الاحتفاء بإبداع الشاعر أبو الهيجاء في معرض عمّان الدولي للكتاب التي تحمل دورته لهذا العام القدس كرسالة من المثقفين والمبدعين في الأردن الشقيق  للتأكيد على أهمية مركزية القدس عاصمة لفلسطين وعاصمة دائمة للثقافة العربية وروح التدوين في نصوص المبدعين.
ومن جانبه قال الشاعر أبو الهيجاء عن توقيعه لديوانه: بداية أوجه شكري وتقديري لوزارة الثقافة الفلسطينة ممثلة بوزيرها الشاعر والمثقف الصديق د. إيهاب بسيسو وللشاعر الصديق عبدالسلام عطاري على جهودهم في إخراج هذا العمل الشعري الذي جاء بعد أول زيارة لي لتراب فلسطين العظيمة التي لم أرها منذ 53 عاما، حيث تجوّلت في معظم مدن الضفة الغربية وشاركت ببعض الأمسيات الشعرية المرافقة لمعرض فلسطين الدولي للكتاب عام 2012، و2016، بمعنى خلال سبع سنوات اشتغلت على هذا العمل الشعري عن أثر المكان والشهداء. قصائد تحاكي الأرض والشجر والإنسان. من خلال اللقاء الأول والسفر الأول والقصير لوطن ما زلت أحلم أضمه ويضمني في ثراه محررا من الصهاينة المارقين. 
لا أستطيع أن أتحدث عن ديواني الشعري هذا.. تاركا فسحة للقارىء الفلسطيني والأردني والعربي التجوال في ثناياه، ولا بد من الإشارة هنا إلى دراسة الصديق الشاعر الكبير يوسف عبدالعزيز التي أضاءت جوانب كثيرة من الديوان، والشكر موصول للصديق الشاعر والفنان التشكيلي محمد العامري على لوحة الغلاف.
يقول الشاعر د. إيهاب بسيسو وزير الثقافة الفلسطيني في كلمة له على غلاف الديوان: تجيء مجموعة "وأقبّل التُراب" للشاعر عمر أبو الهيجاء لتُؤكد على أهمية العلاقة بين الكاتب والوطن. إن نشر وزارة الثقافة هذا العمل يمثل تقديرًا وعرفانًا للمبدعات وللمبدعين الذين يكتبون الوطن قصيدة ورواية كي تبقى حكايته متوهجة ومتوقدة في ذاكرة الأجيال".
وقصائد الديوان الواقع في 126 صفحة من القطع الوسط، لا تتصوّر الوطن الذي عاد إلى تربته الشاعر من رحلة شتات، ولكن الشاعر هنا يعايشه، يحاوره، ويقدم اعتذاره بين يده، على خطيئة لم يرتكبها، بل مورست عليه وعلى أجداده من قبل، لهذا ذهبت القصائد بعيداً وهي تحفر بالتفاصيل، لا للوصول إلى حالة شعرية مكانية فقط، بل للبحث عن الأزمنة الغابرة التي لم يطأها من قبل، بل كان يتنسّمها عن طريق أحاديث والديه، وهما يقدمان وسط الحكايا أنهاراً من الدمع.
في قصيدته الأولى، لحظة الوقوف المؤلم أمام بوابة السماء فلسطين، وبالتحديد عن المعبر، يجترح الشاعر حكايته الفلسطينية الموغلة بالتأملات، حيث يقول في قصيدة عند المعبر التي استهل بها ديوانه: عند المعبر أمرّ واقفاً عند الكلام / كانت الأرض مهيّأة لسرب العصافير/ في فسحة الشجر المنتصب على الطرقات/ مررنا باكين / التراب عطر نوافذ الروح / شمس المغيب تغرق فينا / كنا نلوك جمر المنافي، نهل مبللين بعرق التراب.
تتسع فضاءات الديوان الذي يأتي بعد تجربة طويلة للشاعر مع قصيدة النثر، لتحتضن موسيقى الأرض والأشجار والينابيع والألم والذكريات والإنسان الفلسطيني بجناحيه القابض على تربة الأرض والمتشكّل وجدانياً في الشتات، موسيقى كانت منشغلة بتشكلاتها في التجربة السابقة لهذا الديوان عند الشاعر في برية قصيدة النثر، إلا أنها، وبعد اللقاء الأول للشاعر مع طيور فلسطين وسبحاتها، أصبحت أكثر استنهاضاً للمساحات الصوتية التأملية، فهي في حضرة الوجود، وجود فلسطين التي مدت جسراً بينها وبين ابنها الغائب قصرياً، وتظللت بأعشابها التي راحت تسترق النظر إلى حميمة هذا اللقاء.

أنا ذاكرةُ أبي أحرسها
رحلة حلمية في شعاب الروح

وفي رحلته الشعرية هذه، وإذ يقدّم فيوضات الحب، للتراب، فإن الشاعر لم يعد إلى شتاته، إلا بعد أن عاد ومعه كواشين الأرض، ليطلقها في فضاء عائلته الذاتية والجمعية، ليقدمها لنا كبرهان آخر على الحلم الذي لا ينتهي، إلا مع تقبيل التراب، أعلى ما في الوطن من النواصي، وأبهى ما داسته أقدام الشهداء، وأجمل ما احتضن من الأجداد الذين تركوا معيّتنا وفي روحنا مفاتيح أبوابنا التي لن تشرع إلا لأهلها.
وفي دراسته التي رسم فيها ملامح العودة والتجربة، يقدم الشاعر يوسف عبدالعزيز قراءة للديوان، بعنوان "المهمّة الرسولية للشاعر"، يؤكد في مستهلها أن الشاعر أبو الهيجاء يقدم عملا مختلفاً عن تجربته السابقة، وسر هذا الاختلاف كما يقول عبدالعزيز، يكمن في موضوعها اللاهب.
ويضيف بأن الشاعر يتوقف عند محطات في رحلته الأولى إلى فلسطين، عند "المعبر، قلنديا الحاجز، رام الله الأسود، دارة العنب، على باب المغارة، نيابولس، القدس مدينة الله، في المنزل القديم، بين نهدي المدينة، وللتراب ذاكرة"، لافتاً النظر إلى أن هذه الرحلة التي يجوس من خلالها الشاعر في الوطن، فيها الكثير من الأنفاس الصوفية، والتي وإن كانت سفراً في المكان، إلا أنها بمثابة رحلة حلمية في شعاب الروح، نراه يتوقف ليغيب داخل سهوب نفسه، وأغوارها السحيقة.
من أجواء الديوان ومن قصيدة "المَعبَر" نقتطف هذا المقطع حيث يقول الشاعر أبو الهيجاء:
(هنا فلسطين/
وخيط الحكايات يتدلى،
من صرة البلاد،
كأني ماء،
أعبر لرقصة أولى،
بين الجِرار العتيقة وحشرجة الكلمات،
أعبرُ بتصاريح لمخدة الشمس،
ومهبط الأسماء،
ولي مفردة أخرى،
كي أبني نشيداً،
ناقصا ملح البيوت،
أنا ذاكرةُ أبي 
أحرسها،
أتبع شكل الحواكير، 
تحت سماوات،
مائلة للرماد..،
وقافية الراحلين،
الراحلين عن لحم التراب، 
هنا.. هنا .. فلسطين).