معركة إدلب الكبرى: إلى أين تسير الأمور

المعركة مواجهة بين الغرب وروسيا مع اضافات تركية وإيرانية ومن النظام.

من الملاحظ أن الغرب يتدخل كل مرة لإيقاف معركة إدلب منذ أحداث خان شيخون وما قبلها فما بعدها ويستغرب الكثيرون ذلك ويتساءلون لماذا؟

الأسباب كثيرة ومتشعبة وليس في السياسة أبيض وأسود بل السياسة كتلة مميعة لا يمكن فهمها إلا المتمرس في السياسة وأبعادها. فإدلب أصبحت مجمعا للجهادية الإسلامية العالمية بعيدا عن التسميات الفردية كجبهة النصرة والتركستان وألوية حماية الدين فكل الجهاد الإسلاموي العالمي وزبدة ما أنتجه تنظيم القاعدة وأخواتها منذ إنطلاقتها في السبعينات متجمعة اليوم في إدلب.

كان هناك توجه دولي لتجميع الجهاديين في سوريا وكل دولة تخلصت من جهادييها بهذه الطريقة ثم كان توجه روسيا والنظام وإيران وتركيا بلملمتهم من مختلف مناطق سوريا وتجميعهم في إدلب وبذلك فقد أصبحت إدلب المغناطيس الذي لقط الجهاديين من داخل سوريا وخارجها.

إطلاق أية معركة متهورة في إدلب سيؤدي إلى تناثر هؤلاء الجهاديين من جديد حول العالم بمساعدة بعض ضباط الإستخبارات التركية وأعضاء متطرفين من حزب العدالة والتنمية متواجدين خلف حدود إدلب وهم الذين كانوا يسهلون عمليات دخول الجهاديين والأموال والسلاح منذ سبع سنوات وبذلك سيصبح العالم أمام مشكلة جديدة حيث لن تبقى الشام نقطة جذب للجهاديين كما الفترة السابقة وسينفذون عمليات إنتقامية في مناطق نفوذ أخرى بما فيها أوروبا.

الشيء الآخر الأكثر أهمية أن النظام يستحيل أن يقتحم إدلب دون استخدام الكيماوي نظرا لضعف قواته أمام التشكيلات المتواجدة في إدلب ولذلك نرى أن موضوع الكيماوي بدأ بالطرح من قبل الغرب وتناول الصد والرد والشد والتهديد بين روسيا والغرب حتى قبل أن يستخدم. ومن الطبيعي أن الكيماوي إذا استخدم أو حتى بدونه مع وجود قصف مكثف فإن ذلك سيؤدي إلى نزوح الملايين من التجمع السكاني الهائل في إدلب وسيفتح ذلك باب هجرة جديد نحو أوروبا مع توغل الجهاديين أو الحاملين لبذرة التطرف بين هؤلاء النازحين وسيشكلون عبئا كبيرا على الغرب.

مع كل هذه التعقيدات فإن روسيا لا تحاول الدخول في معركة كبرى مكلفة بل تحاول إيجاد تسوية مع تركيا كما فعلت سابقا في عدة مناطق. لكن تركيا لا تسيطر على كل الفصائل فتأثيرها منحصر على الفصائل التابعة للإخوان المسلمين مثل أحرار الشام أو المجموعات المرتزقة واللصوص مثل درع الفرات. أما القاعدة وتوابعها فلديهم برنامج داخل سوريا يريدون تنفيذه ولا يستسيغون عمليات البيع والشراء والمقايضات التركية مع روسيا والنظام وإيران وهم مستعدون لأية معركة لأن الموت لا يهمهم في كل الأحوال.

على عكس روسيا فإن النظام يريد الدخول في المعركة لأنه يعلم أن فاتورة هذه الحرب سيدفعها حلفاؤه. أما القتلى فسواء كانوا من جيشه أو من جيش المعارضة أو من حزب الله والإيرانيين أو من المدنيين فهذا آخر همه ولا يهمه إن مات السوريون جميعا في هذه الحرب معارضة أو مولاة أو حياديين.

الغرب يقول للنظام أدخل المعركة لكن دون استخدام الكيماوي وهذا سيكلف النظام الكثير وسيضعف قوته وغالبا سيفشل في إدلب إذا كانت الحرب سيدة الموقف وبهذا سيجره الغرب إلى جنيف وفي يد المعارضة ورقة تساوم عليها. بمعنى أوضح فإن الغرب لا يريد الانتصار النهائي للنظام والذي سيتبعه بالضرورة إنتصار إيران وروسيا وسيضعف موقف المعارضة في أية تسوية قادمة وسيصبح النظام صاحب الكلمة الأولى حتى في مناطق نفوذ التحالف الغربي.

حسب التسريبات فإن النظام لن يدخل معركة شاملة بل سيقصف الروس أرياف إدلب للضغط على الفصائل مع إيجاد تسوية مع تركيا لإنسحاب الفصائل من الأرياف لتطهير طريق اللاذقية حلب وتحرير جبل التركمان وسراقب ومعرة النعمان لتتركز الفصائل داخل مدينة إدلب على مبدأ أكل المحافظة من أطرافها حتى يتوصل الجميع لإيجاد تسوية نهائية لوضع المدينة فيما بعد.

الروس والإيرانيون يحاولون إيجاد تسوية عبر الضغط على تركيا ومن أهم هذه الضغوط إطلاق يد المقاتلين الكرد في عفرين لتنفيذ عمليات ضد الفصائل وضد الجيش التركي كتلويح بالورقة الكردية ضد تركيا وعودة الوحدات إلى عفرين ورجوع نفوذ الـ ب. ي. د. إلى الشمال إن لم تشارك في تسوية مرضية بمعنى أوضح فإنهم يمسكون تركيا من اليد التي تؤلمها.

الوحدات الكردية هنا تقدم خدمة مجانية للنظام السوري والروس والإيرانيين. وهذه نقطة مهمة يجب الوقوف عندها قليلا فرغم أن الحرب مع هذه الفصائل تدغدغ المشاعر العاطفية للكرد لما لاقوه على يد هؤلاء اللصوص في عفرين من عمليات قتل وسلب ونهب وخطف وتهجير وتغيير ديمغرافي لكن الأمور لا تؤخذ بالعاطفة والسبب أن هذه العمليات لن تحرر عفرين بل هي خدمة للنظام وحلفائه وما إن يتفق هؤلاء مجددا على تسوية فإنها ستكون على حساب الكرد من جديد.

لفهم وضع عفرين يجب أن نفهم السبب لتسليم عفرين إلى تركيا والسبب الرئيسي هو إيجاد تغيير ديمغرافي في عفرين باتفاق سوري روسي تركي إيراني لتخريب أي مشروع مستقبلي في ربط المناطق الكردية وهذا المخطط الخبيث بعيد المدى يستهدف مئات السنين القادمة وقد وكلت مهمة هذا التغيير لفصائل لا قانون لها ولا دين لكي تتهرب تلك الدول من تبعات هذا التغيير ويصبح واقعا مع الوقت.

إذا فهمنا ما سبق وفهمنا أن روسيا والنظام وإيران قد سلموا عفرين إلى تركيا باتفاق ممنهج فهل نتوقع أن تحررها الوحدات الكردية وهي الحلقة الأضعف في ذلك المستنقع الذي وضعت فيه تركيا وإيران وروسيا والنظام والفصائل مرتكز قوتها. بالتأكيد مجنون من يعتقد ذلك لأنه في كل الأحوال حتى لو حررت عفرين بيد الكرد فستسلم للروس والنظام وبدون هذه المعمعة ستسلمها تركيا أيضا يوما ما للنظام وعليه فإن كل الطرق تؤدي إلى النظام.

تواجد القوات الكردية في ذلك المستنقع خطأ كبير وهي مجرد أداة يتلاعب بها اللاعبون الكبار هناك. لكن فيما يبدو أننا أصبحنا أمام قوتين كرديتين إحداهما تتبع الروس في الشمال والأخرى تتبع الأميركيين شرقي الفرات. وعلى العموم فمنذ البداية كان النفوذ الروسي أقوى في عفرين حيث كانوا متواجدين داخل عفرين بشكل عسكري.

عاطفيا يجب علينا الوقوف مع العمليات في عفرين وكذلك الوقوف ضد الإرهاب في إدلب لكن سياسيا وفي البعد الثالث للأشياء يجب النظر بشكل مختلف. فنهاية إدلب والمعارضة هي نهاية للمشروع الكردي أيضا وهي عودة للدولة المركزية وما إن ينتهي النظام من إدلب حتى يبدأ بشرق الفرات ووقتها حتى الغرب لن يمتلك خيارات كثيرة أمام الشرعية القانونية التي يمتلكها الروس والإيرانيون والنظام.

في الآخر سينتهي موضوع إدلب لكنها من وجهة نظري سينتهي بتسوية بين الغرب والنظام وروسيا وليس بين تركيا وروسيا. فالغرب يجب أن يضمن وجوده المستقبلي شرق الفرات والغرب يمتلك الكثير في إدلب بما فيها كتائب تابعة لها لديها مخزون كاف من الأسلحة ومضادات الطيران تستطيع بها إسقاط الطائرات الروسية وقد سبق وأن أسقطت طائرات للروس في نفس ذلك المكان واعتبرها الخبراء وقتها رسالة غربية للروس لعدم تجاوز قواعد اللعبة. وفي المحصلة نتمنى أن لا يذهب المزيد من الأبرياء في هذه الحروب العبثية التي يلعبها الكبار ويدفع ثمنها الصغار.